الرئيسيةتقاريرالاحتلال يُعيد رسم خارطة الضفة بالتدمير والاستيطان

الاحتلال يُعيد رسم خارطة الضفة بالتدمير والاستيطان

رام الله-المحرر- أسيل عمر– يمضي الاحتلال الاسرائيلي بخطوات متسارعة لتنفيذ مخطط خبيث للسيطرة على الضفة الغربية من خلال تدمير المخيمات ومصادرة الأراضي وتمزيق الوحدة الجغرافية وتسريع وتيرة الاستيطان.

فمنذ نحو شهرين، والاحتلال يوسع من عمليته في مناطق شمال الضفة مستهدفاً بشكل خاص المخيمات فيها،  بزعم القضاء على عناصر المقاومة والحفاظ على حرية حركة جيشه ومستوطنيه، ليلجأ عبر آلياته وجرافاته وطيرانه إلى تدمير البنية التحتية وهدم المنازل وترحيل آلاف المواطنين من اماكن سكناهم.

العملية الاحتلالية في الضفة أسفرت حتى الآن عن استشهاد 70 مواطناً منذ بداية العام، ونزوح آلاف المواطنين، حيث غادر 90% من سكان مخيم جنين و80% من أهالي مخيم طولكرم. وتم تدمير مئات المنازل، بما في ذلك تفجير(150)  منزلًا في جنين وأكثر من (500)  منزل في طولكرم ومخيمها. خلال العملية، اعتقل الاحتلال نحو (380) مواطناً، بينهم (115) مواطناً من جنين و(30) مواطناً من طوباس و(35) مواطناً من طولكرم. كما تعمد ألحاق أكبر خسائر اقتصادية بالمواطنين من خلال التدمير والحصار والحواجز.

ويرى محللون في لقاءات مع “المحرر” أن الاحتلال يسعى من خلال عمليته العسكرية في الضفة إلى إعادة رسم الخارطة الجغرافية والديموغرافية للضفة الغربية، بحيث يعزز من وجوده الاستيطاني في المنطقة، مشيرين إلى أن العملية تستهدف تقويض السلطة الوطنية، وتقييد دورها في مناطق محددة، ما يتماشى مع سياسة تهجير قسري تهدف إلى إفراغ المناطق الفلسطينية من سكانها.

لم يحدد الاحتلال سقفًا زمنيًا للعملية، بل صرح مسؤولون أمنيون للاحتلال بأنها قد تمتد لفترة طويلة، وقد تتوسع لتشمل مناطق جديدة في الضفة الغربية.

يقول أستاذ العلاقات الدولية الدكتور قصي حامد، “موضوع قرار الاحتلال لضم  الضفة هو موضوع قديم جديد، وهو جزء من سياسات إسرائيل وأهدافها”، منوهاً إلى أن “إسرائيل” ومنذ إنشائها وهي  تسعى إلى ضم الضفة الغربية كجزء من أراضيها، وبالتالي إخضاعها للقانون الإسرائيلي.

ويقول “إسرائيل تتجاوز كل الأعراف الدولية وكل القوانين الإنسانية، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار العدالة الدولية أو القوانين المتعلقة بالحروب والعلاقات بين الدول والشعوب المحتلة”، منوهاً إلى أن الاحتلال يمارس أساليب قاسية وغير إنسانية بحق الفلسطينيين، خصوصًا في موضوع هدم المنازل في المخيمات إذ يهدم من وراء ذلك إلى إنهاء القضية الفلسطينية بشكل تدريجي، من خلال عمليات إبادة لشعب كامل وإحلال شعب آخر مكانه.

ويضيف”إسرائيل تهدم المنازل وتقوم بتهجير المواطنين من أماكن سكناهم، ثم تحولها إلى ثكنات عسكرية محاطة بسياج، وبعدها تعمل على توطين المستوطنين فيها”، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تنظر إلى العدالة الدولية، بل تعتبر نفسها فوق القانون، وتستخدم أساليب إبادة جماعية وقتل الفلسطينيين بدم بارد.

ويؤكد أن الهدف من عمليات التهجير هذه هو التخلص من رمزية المخيمات الفلسطينية كأماكن لجوء وباعتبارها بيئة خصبة لإنتاج مقاومين فلسطينيين، وبالتالي تهدف “إسرائيل” إلى إفراغها من سكانها، ما يؤدي إلى تعزيز سيطرتها على الأرض وتشويه التاريخ الفلسطيني في تلك المناطق.

بدوره، يوضح المحلل السياسي الدكتور بشار رواجبة أن السياسات الإسرائيلية تهدف إلى الضغط على الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية، خاصة من خلال هدم المنازل والمباني. ونوه إلى أن هذه السياسات تشمل ضم الأراضي في الضفة الغربية وبناء المستوطنات غير القانونية، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي.

ويقول”الهدف من هذه الإجراءات هو تقليص الوجود الفلسطيني في تلك المناطق، ما يؤدي إلى تغيير ديموغرافي في المنطقة ويسهم في محو الهوية الفلسطينية”.

كما يوضح الدكتور رواجبة أن هدم المنازل في المخيمات لا يُعتبر مجرد عقوبة فردية، بل هو جزء من سياسة عقاب جماعي. إذ تهدف هذه السياسات إلى تقويض الروح المعنوية للمواطنين الفلسطينيين، ما يجعل حياتهم أكثر صعوبة، لافتاً إلى أن أحد النتائج الواضحة لهذه السياسات هو تفاقم المشاكل الاقتصادية، حيث يفقد الكثير من المواطنين منازلهم وأماكن عملهم، ما يزيد من البطالة والفقر في المخيمات.

وفيما يتعلق بالأبعاد الإنسانية لهذه السياسات، يبين الدكتور رواجبة أن هدم المنازل يؤدي إلى تشريد الأسر، ويخلق ضغطًا إضافيًا على المخيمات المزدحمة. كما أن تدمير البنية التحتية مثل المدارس والمستشفيات يعرقل قدرة المواطنين على الحصول على الخدمات الأساسية. ويضيف أن هذه السياسات تؤثر بشكل كبير على مستقبل الأطفال الفلسطينيين، حيث يعانون من فقدان فرص التعليم في المخيمات المدمرة.

أما بالنسبة للقانون الدولي، فيؤكد الدكتور رواجبة أن هناك مشكلة كبيرة في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ما يسبب فقدانًا للثقة في النظام القانوني الدولي. ومع ذلك، يشير إلى أهمية توثيق الانتهاكات الإسرائيلية وتقديم قضايا ضدها في المحاكم الدولية، وأهمية التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.

وينوه إلى وجود حاجة لتكامل الجهود بين الفصائل الفلسطينية والمجتمع المدني من خلال تنظيم احتجاجات سلمية والضغط السياسي في المحافل الدولية، مشيراً  إلى تحقيق الوحدة الفلسطينية من خلال تبني رؤية مشتركة لمواجهة التحديات التي تفرضها “إسرائيل”.

وفيما يخص الحلول البديلة لحماية الحقوق الفلسطينية، يبين أنه يجب تعزيز التنسيق بين الفلسطينيين في الداخل والخارج، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي مع المنظمات الحقوقية لتحقيق ضغط فعال على إسرائيل. كما يرى أنه من الضروري تحسين الوضع الاقتصادي في المخيمات الفلسطينية عبر دعم المشاريع الصغيرة وتحسين البنية التحتية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي.

ويوضح الدكتور رواجبة أن حماية الحقوق الفلسطينية تتطلب نهجًا شاملًا يشمل الوحدة الفلسطينية و التوعية القانونية، والعمل الدولي المتضافر لمواجهة السياسات الإسرائيلية.