نابلس-المحرر-سجى الأزعر-في زمن السرعة الرقمية، لم تعد الحروب تقتصر على الميدان العسكري فقط، بل امتدت إلى فضاء الإعلام، حيث بات التضليل سلاحًا يستخدم لتشكيل وعي الجماهير وتوجيه الرأي العام. في فلسطين المحتلة، تتجلى هذه الحرب الإعلامية بأوضح صورها، إذ يتم استغلال الأخبار الكاذبة والتلاعب بالمعلومات لتحقيق أهداف سياسية وأمنية، ما يخلق حالة من الفوضى المعلوماتية تجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والفبركة.
كيف يُصنع التضليل؟
الأخبار الكاذبة ليست مجرد معلومات مغلوطة، بل أدوات مدروسة تُستخدم لزعزعة الثقة بالمصادر الرسمية، وبث البلبلة بين الفلسطينيين أنفسهم. وتشمل هذه الأخبار:
- التلاعب بالعاطفة: إذ يتم نشر أخبار تستهدف إثارة المشاعر، كالإعلان عن نجاة شهيد بعد تأكيد استشهاده، كما حدث مع الشهيد عبود شاهين.
- تحريف الحقائق: عبر إعادة نشر صور أو مقاطع فيديو قديمة، وربطها زورًا بأحداث جارية لإثارة الرأي العام.
- استخدام الذكاء الاصطناعي: في إنتاج صور ومقاطع مفبركة تخدم أهداف التضليل.
- حسابات وهمية: تدار بشكل منظم لنشر السرديات الملفقة على نطاق واسع.
حين يصبح الأمل جزءًا من التضليل
مصادر خاصة أكدت لنا أن عائلة الشهيد عبود شاهين كانت قد تلقت بالفعل تقارير مسبقة تؤكد استشهاده، لكن في الأيام الأخيرة، هزّتها إشاعة غير مؤكدة نسبت إلى “الارتباط”، زعمت أن أسيرًا شاهد عبود داخل السجن. هذه الرواية، التي انتشرت بسرعة، أعادت الأمل الممزوج بالشك، قبل أن تتحول إلى صدمة أخرى حين تبيّن أنها مجرد تضليل. بعد التحقق، لم يصدر أي تأكيد رسمي من الاحتلال حول وجوده حيًا، ليظل الخبر المؤكد الوحيد هو فقدان فارس آخر من فرسان المقاومة، رغم محاولات تلفيق الأخبار وزعزعة الحقيقة.
رواية مضللة
زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف(100) مركبة تابعة للمقاومة في غزة، لكن تحقيقًا لوكالة “سند” كشف أن هذه الادعاءات مضللة، مؤكّدًا أن المركبات المستهدفة كانت سيارات إسعاف ومركبات للدفاع المدني .
الصور الميدانية أظهرت الحقيقة بوضوح ، ما يدحض الرواية الإسرائيلية التي تأتي في سياق تبرير استهداف المدنيين والبنية التحتية. تحقيقات التحقيق الصحفي تكشف مجددًا كيف يوظف الاحتلال التضليل الإعلامي للتغطية على انتهاكاته
وسائل التواصل الاجتماعي.. ساحة معركة التضليل
وفقًا لمرصد “تحقق”، فإن 80% من الأخبار المفبركة في فلسطين يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُستغل سرعة انتشار المحتوى لتضخيم الأخبار الكاذبة قبل التحقق منها. الأسباب التي تجعل هذه المنصات بيئة خصبة للتضليل تشمل:
- الانتشار الفيروسي السريع للمحتوى العاطفي والمثير.
- غياب الشفافية حول مصادر الأخبار.
- ضعف ثقافة التحقق لدى المستخدمين.
- استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتزوير الصور والفيديوهات.
في ظل هذا الواقع، برزت الحاجة إلى منصات متخصصة في كشف الحقيقة، مثل منصة “تحقق”، التي أسسها الإعلامي د. بكر عبد الحق، المختص في كشف الأخبار الكاذبة، وأوضح أن الهدف الأساسي للمنصة هو ضمان تدفق المعلومات الدقيقة، خاصة مع تعمد جهات متعددة نشر الأخبار المضللة حول الأحداث في فلسطين، سواء السياسية أو العسكرية أو حتى الصحية.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها هذه المنصة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، منها:
-أولاً: شح الموارد المالية، ما يعيق القدرة على توسيع العمل وتطوير أدوات التحقق الرقمي.
-ثانياً: صعوبة الوصول إلى المعلومات الميدانية، خاصة في ظل الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي الفلسطيني.
ثالثاً:سرعة انتشار الشائعات مقابل بطء التحقق، حيث إن نفي خبر كاذب يتطلب وقتًا وجهدًا، بينما تنتشر الشائعة خلال دقائق.
معركة الحقيقة.. مسؤولية جماعية
إن مواجهة التضليل الإعلامي ليست مسؤولية الصحفيين فقط، بل هي معركة مشتركة تتطلب وعيًا مجتمعيًا حول كيفية استهلاك الأخبار. ولحماية الحقيقة في زمن الفوضى الرقمية، لا بدّ من:
- تعزيز ثقافة التحقق قبل النشر أو التفاعل مع الأخبار.
- التعاون بين الإعلاميين والجمهور لمكافحة التضليل.
- دعم منصات التحقق المستقلة لتوفير مصادر موثوقة للمعلومات.
في النهاية، الحقيقة لم تعد مجرد معلومة متاحة، بل أصبحت معركة يومية تستلزم وعيًا، سرعة استجابة، وإصرارًا على كشف الزيف، لأن الحقيقة هي خط الدفاع الأول في وجه التضليل.