الرئيسيةرئيسيمن ماكينة قديمة إلى قصة نجاح.. تُحيك الأمل بخيوط الإرادة

من ماكينة قديمة إلى قصة نجاح.. تُحيك الأمل بخيوط الإرادة

رام الله المحرر-نور جعوان– أم خليل (46 عاماً) من عمواس المهجرة لم تكن بداياتها مفروشة بالورود، بل كانت بين أصابع صغيرة تقلب القماش وتُمرّر الإبرة بخجلٍ وفضول. في عمر الرابعة عشرة، بدأت رحلتها، حين طلبت من أحد أصحاب المشاغل أن تتعلم الخياطة. لم يكن الأمر سهلاً، فمهمتها كانت “تقديم الشاي وتنظيف المكان”، لكنها استغلت استراحة الغداء لتتسلل إلى ماكينة الخياطة، تتعلم بصمت، وتُمارس الشغف الذي لم يكن أحد يراه سواها.

بعد شهرين، أعطاها صاحب المشغل أول اختبار: “إذا خلّصتِ(20) سحابًا خلال ساعتين، بعطيك راتب”. أنهت المهمة في أقل من الوقت، وقبضت أول(15) دينارًا في حياتها، وكانت هذه النقود أول خيط في مشروع عمرها.

رغم معارضة والدها لفكرة أن تكون “خياطة”، أكملت تعليمها في مركز تدريب مهني، ودرست إدارة ومحاسبة. لكن الظروف السياسية منعتها من العمل في التخصص. ورغم ذلك، لم تستسلم. التحقت بدورات تصميم أزياء في بيت حنينا، وسافرت للأردن لتطوّر مهاراتها.

تزوّجت وهي في عمر 17.5 سنة، وكان زوجها شريك الحلم والداعم الأول. اشترى لها ماكينة خياطة نادرة في البلدة، وبدأت العمل من بيتها، تجلب شغل القطعة، تبدأ من كباسات الكُم مقابل “شكلين” فقط، وتعمل لساعات طويلة.

بفضل دعم زوجها، وإصرارها، فتحت أول مشغل لها وهي في الحادية والعشرين من عمرها. استمر المشروع عشر سنوات، وكانت تديره بالكامل، ووفّرت فرص عمل لثماني فتيات من القرى المجاورة. لكنها واجهت خذلاناً مؤلماً من شريكتها التي طالبت بحصص إضافية على تفاصيل بسيطة مثل “ثمن خزانات المياه”، فانتهى الخلاف بإغلاق المشغل.

لم تستسلم. حملت ماكينة الخياطة وانتقلت للعمل بنظام القطعة مع “أبو هاني”، واتفقت معه على تقاسم الأرباح مناصفة. ومن هناك بدأت تحلم بامتلاك محل خاص بها، يكون لها وحدها.

عملت في محل ايجار لمدة سنة وستة شهور، بعدها أراد صاحب المشغل بيعه وكان الملغ فوق طاقتها اقترضت من اقربائها واشترت المحل.

ورغم الظروف الاقتصادية، ومحدودية الموارد، استطاعت أن تسدد ديون المحل خلال أربع سنوات ونصف. وكانت تغطي مصاريف العلاج والتعليم، وتُعيل أسرتها، وزوجها المريض، وتعتني بأطفالها، الذين وصل أحدهم إلى الجامعة، بينما لا يزال الآخر في الحضانة.

أكبر التحديات التي واجهتها كانت: غياب المواد الخام، ونقص الأيدي العاملة الكفؤة، وعدم تقدير بعض الزبائن لقيمة القطعة والتعب المبذول فيها. لكنها لم تفقد الإيمان بمشروعها ولا بقيمة ما تصنعه يداها.

اليوم، تقف هذه السيدة كواحدة من النماذج التي تفتخر بها فلسطين: امرأة بدأت من لا شيء، وحيكت حلمها بإبرة، وصنعت قصة نجاح.