نابلس-المحرر-بهاء جعفري-في قلب الميدان، حيث يختلط صوت الرصاص بصراخ الجرحى ودموع الأمهات، يقف الصحفي الفلسطيني حاملاً قلمه وكاميرته، متحدياً الخوف، بحثاً عن الحقيقة وسعياً لإيصالها إلى العالم. في فلسطين، لم تعد الصحافة مجرد مهنة، بل تحوّلت إلى رسالة مقاومة، يتقاطع فيها نقل الحقيقة مع كلفة شخصية قد تصل إلى حد الموت.
الصحفي الميداني يزن حمايل، خريج كلية الإعلام في جامعة “القدس المفتوحة” هو أحد الذين واجهوا هذه التحديات وجهاً لوجه، يروي كيف بات العمل الصحفي في الضفة الغربية محفوفاً بالمخاطر اليومية. “نتعرض للاعتقال، والضرب، والتفتيش، والمنع من التصوير”.
يقول حمايل إن إطلاق النار المباشر بات جزءاً من الواقع الميداني للصحفيين. يتحدث عن تجربة شخصية مؤلمة حين تم احتجازه لثماني ساعات، تعرض خلالها للضرب، وتم نقله إلى مستوطنة قرب بلدة بيتا. كما أُطلقت عليه النيران بينما كان داخل سيارته، ما أدى إلى إصابته.
لا تقتصر الاعتداءات على الاعتداء الجسدي فحسب، بل تشمل أيضاً المضايقات النفسية اليومية، من إهانات واحتجاز على الحواجز، وتكبيل الأيدي، وتغميم الأعين. “الجسم الصحفي في الضفة أصبح يعيش حالة من الملاحقة المستمرة، وكأننا نؤدي دورنا في ساحة حرب مفتوحة”، يضيف حمايل، مشيراً إلى ما يتركه تكرار مشاهد الأشلاء وجنازات الشهداء من أثر نفسي عميق على الصحفيين.
من أبرز العوائق التي تواجه الصحفيين الميدانيين هي حواجز الاحتلال، لا سيما في شمال الضفة الغربية. يوضح حمايل أن هذه الحواجز – سواء كانت ثابتة أو طارئة تعيق بشكل كبير قدرتهم على الوصول إلى أماكن الأحداث في الوقت المناسب، ما يعرّضهم أيضاً لخطر الاعتقال خلال محاولاتهم الالتفاف عبر طرق فرعية.
ورغم وجود قوانين دولية تنص على حماية الصحفيين، إلا أن واقع الميدان يكشف عن غياب تام لأي تطبيق عملي لهذه القوانين. “نرتدي الزي الصحفي الكامل، ونستخدم مركبات تحمل إشارات واضحة، لكن الاحتلال لا يعترف بذلك، بل أحياناً يكون هذا الزي سبباً مباشراً لاستهدافنا”، يقول حمايل.
ويضيف أن استهداف الصحفيين في غزة، والسكوت الدولي عنه، مثال صارخ على تجاهل القانون الدولي، تماماً كما حدث في قضية اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت برصاصة الاحتلال رغم وضوح هويتها الصحفية.
أما عن وسائل الحماية المتوفرة، فيقتصر الأمر على الخوذ والدروع الواقية من الرصاص، وهي أدوات لا توفر الحماية الكاملة. “زميلي ربيع المنير أُصيب برصاصة في بطنه رغم ارتدائه الزي الصحفي الكامل”، يقول حمايل، مؤكداً أن هذه المعدات قد لا تنقذ حياة الصحفي في لحظة الاستهداف المتعمد
وبشأن المساءلة القانونية، يؤكد حمايل أنه تم رفع قضايا في السابق، مثل قضية أبو عاقلة، إلا أن الاحتلال كثيراً ما يماطل في التحقيقات أو يزوّر الحقائق، وتظل القضايا مفتوحة لسنوات دون نتائج حقيقية. “هذا الشعور بالعجز يدفع العديد من الصحفيين إلى الإحباط، رغم أنهم يواصلون أداء واجبهم المهني والإنساني بشجاعة”.
يثبت الصحفي الفلسطيني أنه رغم الرصاص والحصار، يبقى صوته حراً، ينقل الحكاية، ويوثق الألم، ويكتب الحقيقة التي يحاول الاحتلال طمسها.