القدس المحتلة – المحرر- إياد الطويل- من أصل ثلاثين “ُمصلح أحذية” في القدس، لم يتبق سوى ثلاثة منهم فقط، أحدهم السبعيني الحاج نبيل خريم الذي يعمل في سوق العطارين داخل البلدة القديمة منذ نحو (60) عاماً.
في محله الصغير، لا يزال نبيل يستخدم السنديان الذي عمل عليه والده قبل أكثر من ثمانين عامًا، وكأن الزمن توقف عند هذه الأدوات التي تحمل بين تفاصيلها حكايات الحرفة والصبر.
بدأ نبيل خريم رحلته في تصليح الأحذية منذ طفولته حين كان يساعد والده بعد انتهاء الدوام المدرسي. يتذكر تلك الأيام قائلًا: “كبرنا مع الشغلة كنا أطفالًا نلعب ونركض بين الأزقة لكن عندما يرن صوت المطرقة في محل الوالد نعود ونشتغل معه بفرح”.
على الطاولة الخشبية القديمة وتحت ضوء خافت تعلم كيف يمسك الإبرة وكيف يعيد الحياة إلى الأحذية البالية.
قبل عقود كانت البلدة القديمة تعج بثلاثين مصلح أحذية أما اليوم فلم يتبق منهم سوى ثلاثة فقط.
رغم تغيرات الزمن وصعوبة الظروف الاقتصادية يصر نبيل خريم على التمسك بحرفته التي ورثها عن والده ويقول”الشغلة إلها طعم خاص مش بس بتصلح حذاء أنت بترجع إنسان يكمل مشيه بالحياة”.
أسباب تراجع أعداد مصلحي الأحذية عديدة كما يرويها نبيل خريم، منها الغزو الكبير للأحذية المستوردة الرخيصة التي دفعت كثيرين إلى شراء الجديد بدل تصليح القديم.
كما أن عزوف الشباب عن تعلم المهن اليدوية لعب دورًا في اندثار هذه الحرفة، حيث يقول” “ما ظل كتير ناس تصلح الكل بروح بشتري جديد بس اللي بيعرف قيمة الشغلة بيضل يرجع وبيعرف أن التصليح مش بس أوفر كمان فيه بركة”.
داخل محله المتواضع ما تزال الأدوات القديمة تنبض بالحياة إذ يعمل نبيل على ماكينة خياطة ميكانيكية وسندان ومطرقة وإبر يدوية جميعها تعود لعشرات السنين.
يتعامل مع كل أداة بحب واضح ويقول:“كل قطعة هون إلها قصة إلها عمر أطول من عمر كتير ناس مروا علينا”.
وجود نبيل خريم في سوق العطارين لا يمثل مجرد مهنة بل هو امتداد لصوت القدس الذي يرفض أن يُمحى.
كل مسمار يدقه وكل حذاء يصلحه هو شهادة أن هذه المدينة ما زالت تنبض بروحها الأصلية رغم محاولات الطمس والتغيير.
محل نبيل خريم اليوم ليس مجرد ورشة عمل بل متحف حي لخطى سكان القدس وزوارها. كل حذاء يصلحه وكل حقيبة يخيطها تحمل قصة مقدسية صغيرة تسردها أصابع خريم بإخلاص ومحبة.
وفي ختام حديثه ينظر نبيل إلى زقاق سوق العطارين ويقول:”طول ما أنا موجود هون طول ما القدس لسه بتحكي قصصها”.