الرئيسيةتقاريرشاشة مضيئة وعقول مظلمة..هكذا تستنزف التكنولوجيا طفولة أبنائنا

شاشة مضيئة وعقول مظلمة..هكذا تستنزف التكنولوجيا طفولة أبنائنا

رام الله-المحرر-شروق مالك-في زمن أصبحت فيه الأجهزة الذكية رفيقًا دائمًا لأطفالنا، يطرح خبراء الصحة وعلماء النفس تساؤلات مقلقة حول تأثير هذه الشاشات المضيئة على نموهم الجسدي والعقلي والاجتماعي. فبينما يجد الأهل في هذه التقنيات وسيلة لإشغال أطفالهم في ظل الانشغالات الحياتية المتزايدة، يحذر المختصون من مخاطر جمة تتجاوز مجرد إضاعة الوقت.

وأوضحت المواطنة رجاء الحلو حول تعلق ابنها بالأجهزة الذكية، أن الاستخدام غير المراقب للأجهزة يعرض الأطفال لمحتوى غير لائق وثقافات سلبية.

ولفتت إلى أن الأمر بدأ تدريجيًا منذ حوالي عامين عندما أصبح الطفل قادرًا على استخدام الأجهزة بمفرده، حيث تحولت التسلية البسيطة إلى انشغال متزايد بالشاشة لساعات طويلة. وأشارت إلى عدة مظاهر مقلقة مثل تفضيل الألعاب الإلكترونية على الأنشطة الأخرى، والعصبية عند محاولة تحديد وقت الاستخدام، والانعزال عن العائلة. وأكدت الحلو على تأثير هذا التعلق السلبي على تركيز الابن في الدراسة وتجنبه للواجبات، بالإضافة إلى تراجع اهتمامه بالتفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء والعائلة، حيث يفضل البقاء وحيدًا مع جهازه.

وأشارت دراسة لجامعة كامبريدج إلى أن 30% من الأطفال الذين يتعرضون لمحتوى عنيف يظهرون ميلاً للعزلة الاجتماعية واضطرابات مثل الوسواس القهري. كما أن الاعتماد المفرط على الشاشات يضعف مهارات التواصل الاجتماعي الضرورية لتكوين صداقات حقيقية في الحياة الواقعية.

وشدد الدكتور جون ريتشاردسون، أخصائي صحة الأطفال، على أهمية النشاط البدني اليومي للأطفال، مؤكدًا أن “الأطفال بحاجة إلى 60 دقيقة يوميًا من النشاط البدني لتعزيز نموهم الصحي، وهو ما يتقلص مع ساعات الجلوس الطويلة أمام الشاشات.”

ولم تسلم العيون من هذا الخطر الرقمي، حيث كشفت دراسة لجامعة مايو كلينك أن 35% من الأطفال المستخدمين للأجهزة يعانون من إجهاد العين الرقمي، الذي يتسبب في جفاف العين وضعف النظر. وينصح الدكتور رحال، استشاري أول في طب الأطفال الأكاديمي، بتطبيق قاعدة “20-20-20” لحماية البصر: “كل 20 دقيقة، توقف لمدة 20 ثانية، وانظر لمسافة 20 قدمًا.”

أما آلام الظهر والرقبة، فقد أصبحت شكوى متزايدة بين الأطفال والمراهقين نتيجة الجلوس الخاطئ لساعات طويلة أمام الأجهزة، ما يؤدي إلى تشوهات هيكلية وتقوس في العمود الفقري.

وفي ظل هذه المخاطر المتزايدة، يقدم الخبراء مجموعة من التوصيات الهامة للآباء والأمهات:

*ضبط الوقت: توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بتحديد وقت الشاشة بساعة واحدة يوميًا للأطفال من عمر 2-5 سنوات، وساعتين للأطفال الأكبر سنًا.

*اختيار المحتوى المناسب: يُنصح بالتركيز على التطبيقات التعليمية والمحتويات الآمنة والمفيدة.

*التواصل المفتوح: يجب على الأهل التحدث مع أطفالهم بانتظام حول مخاطر الأجهزة وتوجيههم نحو استخدامها بشكل إيجابي وواعٍ.

*الأنشطة البديلة: تشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة، والقراءة، والانخراط في أنشطة اجتماعية وثقافية مفيدة بعيدًا عن الشاشات.

*التعاون مع المدارس: ضرورة تضافر الجهود بين المعلمين وأولياء الأمور لنشر الوعي حول مخاطر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا وتشجيع الأنشطة التفاعلية.

التكنولوجيا تحمل في طياتها فوائد جمة وتفتح آفاقًا واسعة للمعرفة والثقافة، ولكن الإفراط في استخدامها دون وعي ورقابة يحولها إلى خطر حقيقي يهدد صحة أطفالنا وعقولهم ونفسيتهم وعلاقاتهم الاجتماعية.