غزة -المحرر -منى ابو طه– في ظل حرب الإبادة التي تشنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يعيش الغزيون أزمة خانقة تجاوزت مجرد التدمير المادي للمنازل والبنية التحتية، بل طالت أبسط احتياجات الحياة اليومية. ومن أبرز هذه الأزمات كان انقطاع غاز الطهي، الذي بات أحد أصعب التحديات التي تواجه المواطنين في القطاع، في وقت تعيش فيه غزة تحت الحصار الإسرائيلي المستمر، وإغلاق المعابر التجارية.
الأزمة تتفاقم.. محطات الغاز فارغة
تؤكد وزارة الاقتصاد في غزة أن 95٪ من محطات الغاز أغلقت أبوابها منذ بداية الحرب، ما جعل الحصول على أسطوانة غاز من سابع المستحيلات. وكانت غزة تحتاج يومياً إلى حوالي 300 طن من غاز الطهي لتلبية احتياجات سكانها، إلا أنه ومنذ بداية الحرب لم يدخل سوى 5٪ من هذه الكمية عبر معبر كرم أبو سالم تحت شروط مشددة، في حين أن غالبية المحطات كانت مغلقة بسبب القصف المستمر والحصار المفروض.
ارتفاع الأسعار بشكل جنوني
ومع نقص الغاز، ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق، حيث تجاوز سعر الكيلو الواحد من الغاز 300 شيقل، في حين كان سعر أسطوانة الغاز (12 كغم) قبل الحرب لا يتعدى 65 شيقلاً. هذا الارتفاع غير المتوقع دفع العديد من العائلات إلى البحث عن بدائل أخرى، أبرزها الحطب. لكن استخدام الحطب لم يكن خالياً من المخاطر، حيث سجلت العديد من الحوادث التي تسببت في اختناقات وحرائق، ما زاد من تعقيد الوضع في القطاع.
إغلاق المخابز
تحدث صاحب أحد المخابز عن تأثير أزمة الغاز على عمله قائلاً: “لقد أغلقنا المخبز أكثر من مرة بسبب عدم قدرتنا على تأمين الغاز. حالياً نضطر لاستخدام الحطب لطهي الخبز، لكن هذه الطريقة تؤدي إلى حرق الخبز بشكل غير متقن وتؤثر على جودته”
ويضيف”لم نكن نتخيل أن يصل الحال بنا إلى هذه المرحلة، حيث كان الغاز يفي باحتياجاتنا اليومية من دون مشاكل”.
ويتابع”إن الوضع الاقتصادي صعب جداً، ومع غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الوقود، بدأنا نرى تراجعاً حاداً في الزبائن. العديد من الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف الخبز، والبعض الآخر توقف عن شرائه بسبب تدهور قدرته الشرائية”.
آثار الأزمة على القطاعات الأخرى
لم تقتصر الأزمة على الأفراد فقط، بل شملت مختلف القطاعات الحيوية في غزة. فقد تعرضت المطاعم في القطاع إلى تراجع كبير في النشاط، حيث أُجبر العديد منها على إغلاق أبوابها بسبب عدم توفر الغاز. وفي هذا الصدد، تقول رانيا محمد مالكة أحد المطاعم في غزة: “لقد اضطررنا لإغلاق مطعمنا مؤقتاً لأننا ببساطة لا نجد الغاز اللازم لتحضير الطعام. وحتى لو تمكنا من الحصول عليه، فالتكاليف أصبحت باهظة بشكل يجعل الاستمرار في العمل أمراً مستحيلاً”.
كما يشير الخبير الاقتصادي د. سمير أبو مدللة إلى أن “استمرار الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة سيؤدي إلى تدهور إضافي في مؤشرات الحياة المعيشية. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن القطاع سيواجه كارثة إنسانية حقيقية، ونحن بحاجة إلى خطوات جدية لفك الحصار وضمان تدفق الاحتياجات الأساسية”.
أمهات غزة بين الألم والأمل
وسط هذه الأزمات، تبقى أمهات غزة في قلب المعاناة اليومية، يحاولن تأمين أبسط احتياجات أطفالهن في وقت تعجز فيه الموائد عن تلبية أبسط المتطلبات. فبعضهن اضطررن لاستخدام الحطب لطهي الطعام في ظل انقطاع الغاز، وهو ما يعرض حياتهن وحياة أطفالهن للخطر. تقول أم محمد، وهي أم لثلاثة أطفال: “أحيانا نضطر للانتظار لساعات طويلة قبل أن نتمكن من الحصول على أسطوانة غاز، وإذا حصلنا عليها، تكون الأسعار قد تجاوزت قدراتنا. في بعض الأحيان نضطر للطهي باستخدام الحطب، وهذه العملية لا تخلو من المخاطر”.
وعودات كاذبة
رغم المناشدات التي أطلقتها الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الحقوقية، لم تشهد الأيام الماضية أي انفراج حقيقي في الأزمة. التصريحات الدولية تصطدم دوماً بالموقف الإسرائيلي، الذي يرفض إدخال الإمدادات الأساسية لقطاع غزة. وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تصريحاً أكدت فيه أن “منع الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغاز والوقود، يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني”، داعية إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون تأخير.
ورغم هذه المناشدات، يبقى الطريق أمام الحلول السياسية غامضاً، وتظل غزة في معركة مستمرة من أجل البقاء. مع كل يوم، يصبح الحصول على أبسط متطلبات الحياة، مثل الطهي، رفاهية غير متاحة للكثير من الأسر.
ووسط الركام والدمار، يقف المواطن الغزاوي متحدياً كل الصعاب، يحلم بيوم هادئ بعيداً عن الحروب والمجاعات، حيث يعود إلى حياته الطبيعية ويستطيع تأمين احتياجاته الأساسية دون أن يشعر بالخوف أو العوز. في هذا الواقع المظلم، يبقى الأمل بغدٍ أفضل، يوماً قد يُرفع فيه الحصار، وتعود غزة إلى الحياة.