نابلس-المحرر-عاصم أبو عياش-أثار قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عمل وكالة “الأونروا”في “إسرائيل” والقدس حالة من الارتباك والقلق بين موظفي الوكالة في المخيمات الفلسطينية، والبالغ عددهم نحو 17 ألف موظف. وتواجه الحكومة الفلسطينية تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذا الوضع، إذ إنها غير قادرة على استيعاب هذا العدد من الموظفين أو توفير رواتبهم في ظل الأزمة المالية الراهنة. وكان المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، قد حذّر من خطورة القرار، واصفًا إياه بأنه “ضربة مروعة” للوكالة وموظفيها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يقول الأستاذ أنور حمام، وكيل دائرة شؤون اللاجئين لـ”المحرر” إن “إسرائيل” تسعى لإلغاء الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها وكالة الأونروا، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لعمل الوكالة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. وأوضح أن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص الخدمات المقدمة لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني مسجّل لدى الأونروا.
وأكد حمام أن مستقبل الوكالة مرهون بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، صاحبة التفويض الأصلي، مشددًا على أنه لا يحق لـ”إسرائيل” إلغاء عمل “الأونروا” أو تقليصه، وأن الوكالة ستستمر في عملها ما دامت قضية اللاجئين قائمة، استنادًا إلى القرار الأممي رقم (194) الذي ينص على حق العودة والتعويض واسترداد الممتلكات.
وأشار حمام إلى أن العجز المالي في “الأونروا” برز بشكل واضح منذ ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحديدًا عام 2020، عندما تم حجب التمويل الأميركي عن الوكالة، ما تسبب بعجز قدره نحو 360 مليون دولار وظهور فجوات تمويلية كبيرة.
وأضاف أن دائرة شؤون اللاجئين تتابع منذ سنوات محاولات استهداف الأونروا، وتشارك بفاعلية في اللجنة الاستشارية التابعة للوكالة، إلى جانب تحركات دبلوماسية تقوم بها سفارات دولة فلسطين في مختلف أنحاء العالم لشرح تطورات الوضع في فلسطين والمخيمات، والضغط من أجل تأمين دعم سياسي ومالي مستدام للوكالة.
ولفت إلى أن الهجوم الإسرائيلي على “الأونروا” تصاعد بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر، في محاولة لتشويه سمعتها، إنهاكها، وتقويض دورها، مما زاد من حجم العجز في موازنتها نتيجة تزايد الاحتياجات الإنسانية بفعل الحرب، وغياب الدعم من بعض الدول المانحة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والسويد
عمل الاحتلال الإسرائيلي على فرض رقابة مشددة على المنهاج الفلسطيني من خلال ما يُعرف بـ”إجراءات الفحص والتدقيق”، بذريعة محاربة ما يسميه “التحريض والإرهاب”. ويُعد هذا أحد أشكال السيطرة على الوعي الفلسطيني، حيث يتم السعي لحذف أو تهميش رموز الهوية الوطنية مثل خارطة فلسطين التاريخية، وقضايا الأسرى، والمقاومة، والشهداء، والرموز التاريخية والسياسية. تهدف هذه الإجراءات إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني بما يخدم مشروع “أسرلة” المجتمع الفلسطيني، وتحويل موظف الأونروا، والمعلم بشكل خاص، من رمز تعبوي نضالي إلى مجرد موظف يلتزم بأنظمة وقوانين تُفصله عن قضيته الوطنية.
وفي لقاء مع أحد موظفي الأونروا، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته خوفًا من فقدان عمله بسبب سياسة الحياد الصارمة التي تفرضها الوكالة، أكد على الدور الحيوي الذي تلعبه “الأونروا”، لا سيما في قطاع التعليم. وشدّد على أهمية التعليم الوجاهي، لأنه يحافظ على استمرارية عمل المؤسسات التعليمية، ويضمن بقاء آلاف الموظفين في وظائفهم. وقال: “التحول إلى التعليم الإلكتروني قد يؤدي إلى الاستغناء عن عدد كبير من المعلمين والعاملين، في ظل عدم قدرة الحكومة الفلسطينية على تحمّل أعباء إضافية، فكيف لها أن تتكفّل برواتب موظفي “الأونروا”إن تم حظرها؟”.
كما أوضح الموظف أن الاحتجاجات والمظاهرات ممنوعة داخل الأونروا، ولا يُسمح للموظفين بالتعبير عن آرائهم السياسية سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في أي مساحة عامة. وأضاف: “لقد خضعنا لتدريبات ووقعنا على اتفاقيات تُلزمنا بالحياد السياسي، وتمنع ارتباطنا بأي حزب أو المشاركة في أي نشاط تعبوي أو تحريضي ضد الاحتلال. وإذا أراد أي موظف القيام بنشاط عام أو نشر محتوى معين، يجب عليه أولًا الحصول على موافقة رسمية من مسؤوله المباشر”.
يعكس هذا الواقع حجم الضغوط المزدوجة التي يواجهها موظفو الأونروا، فهم عالقون بين واجبهم الإنساني والوطني، وبين التزامات الحياد المهني المفروضة عليهم، في وقت تتصاعد فيه محاولات تصفية الوكالة وإنهاء دورها التاريخي في دعم اللاجئين الفلسطينيين.
يذكر أن في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، صادق الكنيست الإسرائيلي بشكل نهائي، وبأغلبية كبيرة، على قانونين يمنعان وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من مزاولة أي أنشطة داخل إسرائيل، بما يشمل القدس، ويقضيان بسحب كافة الامتيازات والتسهيلات الممنوحة لها، إضافة إلى حظر أي تواصل رسمي معها.

ورغم مرور الوقت، لا يزال تنفيذ هذا القرار غير محدد بموعد واضح، ما يثير حالة من القلق والترقب في الأوساط الفلسطينية والدولية. فحتى الآن، لا أحد يستطيع التنبؤ بمدى تداعياته على حياة مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، ولا إلى أين سيتجهون في حال توقف الخدمات الأساسية التي توفرها الوكالة، ولا من أين ستُضخ الحياة لهم مجددًا في ظل غياب البدائل.
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، بهدف تقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين. وتشمل خدماتها مجالات الإغاثة، والرعاية الصحية، والتعليم، وتُقدَّم في مناطق عملياتها الخمس: الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة.
تقدّم “الأونروا”في الضفة الغربية خدمات أساسية تشمل التعليم لنحو 48 ألف طالب موزعين على 96 مدرسة، والرعاية الصحية عبر 43 مركزًا صحيًا تُسجَّل فيها حوالي 895 ألف زيارة سنويًا، بالإضافة إلى برامج إغاثية واجتماعية يستفيد منها عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين.
كما يستفيد من برنامج الإغاثة 36 ألف لاجئ تقريبا، واجتماعيا يتوزع في الضفة 19 مركزا نسويا، كما تم منح قروض بسيطة لنحو 135 ألف لاجئ قيمتها الإجمالية قرابة 190 مليون دولار.
يعيش نحو ربع اللاجئين في الضفة الغربية، الذين يُقدَّر عددهم بحوالي 828 ألفًا من بين ما يقارب 2.7 مليون فلسطيني، في 19 مخيمًا رسميًا، بينما يقيم الغالبية في المدن والقرى، وذلك بحسب معطيات “الأونروا”المنشورة على موقعها الإلكتروني.