نابلس-المحرر- محمد قطيط-في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، تتصاعد الانتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة وحق الجمهور في المعرفة.
أرقام مرعبة
وفقًا لتقرير صادر عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي 1,639 انتهاكًا بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية منذ السابع من أكتوبر 2023. من بين هذه الانتهاكات، استشهد 210 صحفيين وعاملًا في قطاع الإعلام، بينهم 21 صحفية، ما يشير إلى أن الاحتلال قتل ما نسبته 11% من صحفيي غزة.
كما وثقت النقابة 357 حالة إصابة في صفوف الصحفيين خلال عام من العدوان، نتيجة لاستهدافهم بصواريخ الاحتلال ورصاصه المباشر، إضافة إلى قنابل الغاز السام واعتداءات المستوطنين. وأشارت إلى أن 101 إصابة كانت نتيجةً لاستهداف مباشر، آخرها إصابة الصحفي أحمد الزرد بجروح خطيرة، وإصابة والدته واستشهاد شقيقه وعدد من أفراد عائلته جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلهم في خان يونس.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الصحفيان نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد في عداد المفقودين، حيث ترفض سلطات الاحتلال الإفصاح عن مصيرهما، رغم الجهود الأممية والحقوقية لمعرفة ظروفهما.
تدمير المؤسسات الإعلامية واستهداف العائلات
دمر الاحتلال الإسرائيلي 73 مؤسسة إعلامية في قطاع غزة، من بينها 21 إذاعة محلية، 3 أبراج بث، 15 وكالة أنباء، 15 فضائية، 6 صحف محلية، و13 مكتب خدمات إعلامية وصحفية. كما أغلق الاحتلال 15 مؤسسة في الضفة الغربية، أبرزها مكتب تلفزيون فلسطين في القدس، ومكتبا قناتي “الميادين” و”الجزيرة”، إضافة إلى إغلاق 12 مطبعة صحفية.
ودفعت عائلات الصحفيين ثمناً باهظاً نتيجة مهنة أبنائهم، حيث استشهد 514 من أفراد عائلات الصحفيين في غزة جراء قصف صواريخ لمنازلهم وأماكن نزوحهم. كما استهدف الاحتلال نحو 115 منزلاً لعائلات الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة بصواريخ الطائرات وقذائف المدفعية، مما أدى إلى مسح عائلات كاملة من السجلات المدنية للسكان.
تحدث الصحفي يزن حمايل، مراسل تلفزيون الفجر، عن تجربته في تغطية الأحداث في الضفة الغربية. قائلاً “في كل تغطية صحفية، يتعرض الصحفي الفلسطيني لانتهاكات متفاوتة في شدتها. من بين أبرز هذه الانتهاكات اليومية: الحواجز العسكرية التي تنتهك حق الصحفي في الوصول إلى موقع الحدث”.
على الصعيد الشخصي، تعرض حمايل للتنكيل مرارًا وتكرارًا بسبب شارة الصحافة المعلقة على مقدمة مركبته؛ الشارة التي من المفترض أن يحملها الصحفيون لحمايتهم، لكنها أصبحت علامة تقود إلى التنكيل لهم على الحواجز العسكرية في الضفة الغربية. وهذا يُعد المستوى الأدنى من الانتهاك.
يقول حمايل” حُجزت مرة لأكثر من سبع ساعات، تعرّضت خلالها للضرب والشتم والإهانة، بتهمة أنني صحفي كنت أوثّق هجومًا شنه مستوطنون على جبل صبيح في بلدة بيتا. حينها، اقتادني الجنود بعد وقت طويل من الاحتجاز الميداني إلى مستوطنة قريبة، قبل أن يُطلقوا سراحي”.
وقبل ذلك، أصيب حمايل إصابة مباشرة بشظايا رصاص حي، بعدما استهدف قنّاص من جيش الاحتلال مركبته أثناء محاولته الوصول إلى موقع حاصرت فيه قوات الاحتلال منزلاً في بلدة كفر دان قرب جنين. يقول” ُصبت أنا وعدد من الزملاء، ونجونا من موت محقّق بعدما أطلق القنّاص النار بشكل جنوني”.
يضيف حمايل: “الصحفي الفلسطيني مستهدف بشكل متعمد. مرارًا وتكرارًا، استهدف رصاص الاحتلال مواقعنا أثناء العمل، واعتُقل زملاؤنا الصحفيون، ودُهمت منازلهم. وقد ارتُكبت مجازر موثّقة على الهواء مباشرة بحق الصحفيين خلال حرب الموت والإبادة في قطاع غزة”.
يخوض الجنود حربًا حقيقية مع الصورة الصحفية التي تسعى لكشف الحقائق، وهذا ما يزعجهم. وليس هذا بجديد؛ فقد اغتال الموساد الإسرائيلي أول صحفي فلسطيني، الكاتب الشهير غسان كنفاني، في 8 تموز 1972، حين استُهدفت مركبته بقصف مباشر حوّله إلى أشلاء.
ومنذ ذلك الوقت، والصحفي الفلسطيني في مرمى الاستهداف. كثيرون من شهداء الصورة والحقيقة ارتقوا وهم متمسكون برسالتهم وعدساتهم.”
و فيما يتعلق عن تعامل المؤسسات المحلية من انتهاكات يتعرض لها طواقمها يقول حمايل : “هناك تفاوت في أسلوب تعامل المؤسسات الإعلامية المحلية؛ فبعضها تبذل كل ما في وسعها لدعم أفرادها، بينما هناك مؤسسات أخرى تتخذ موقفًا معاكسًا تمامًا، ولا توفر الحد الأدنى من الدعم المطلوب”.
ويشير إلى أن سبب استمراره كمراسل ميداني على الرغم من كل هذه المخاطر و الانتهاكات المستمرة يتمثل بكون الصحفي في فلسطين لا ينقل الحدث فقط، بل يتقاطع وجدانيًا مع معاناة الناس، ويتحول الحدث إلى جزء من حياته الشخصية، مؤكداًأن الصحافة هنا ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية، وموقع لا أملك التراجع عنه. من واجبي أن أكون شاهدًا صادقًا، وأؤدي هذا الدور على أكمل وجه”.
دعوات للتحرك الدولي
دعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين المؤسسات الدولية الحقوقية والإعلامية إلى التدخل العاجل لوقف الجرائم المتواصلة بحق الصحفيين الفلسطينيين. وأكدت النقابة أن هذه الانتهاكات تشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتستدعي محاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية.
في ظل هذه الأوضاع، يواصل الصحفيون الفلسطينيون أداء واجبهم المهني بشجاعة وإصرار، متحدين المخاطر لنقل الحقيقة وكشف الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.