نابلس-المحرر-حنين القواريق-يد تحصد وتطهو ويد ترعى، تتلذذ السيدة الخمسينية سميرة عبدات بمواجهة صعاب الحياة، في حديقتها الصغيرة تغرس سن فأسها بأحشاء الأرض لتزرع ما تحتاجه لطهي ما لذ وطاب، فتخفف عبء التكاليف المتربعة على أكتافها قليلاً، لتطهو الطعام وتعيل عائلتها، أما داخل منزلها الدافئ تحتوي أبناءها الأربعة وزوجها الذين يعانون الإعاقة.
لطالما حلمت بافتتاح مشروعها الخاص لتتفنن بالمأكولات الشعبية “كالكبسة، والمنسف، والمقلوبة” وغيرها، فتواجه بها إعاقة فلذات كبدها، فنالت ذلك بإرادتها التي تلين الحديد، بعد مشاركتها بمشروع ريادي وتدريب عملي بالتخطيط والإدارة لمدة سبعة شهور لخمسين سيدة مشاركة، لتفوز بعدها وتكسب التمويل لمشروعها هي وثماني نساء أخريات، فابتاعت ما يلزمها للبدء بالمشروع، وأصبحت معدات الطهي تتزاحم في مطبخ الحلم.
“تنافس سميرة بمطبخها مجتمعها الريفي الذي تكثر مطابخه، وتتنوع أكلاته، إذ تقنط في قرية عورتا جنوب نابلس، فتعد الوجبات للمناسبات المختلفة لأهالي القرية والقرى المجاورة، حتى أنها تستقبل طلبات من القدس المحتلة والمحافظات المجاورة بعد الترويج للمشروع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فلاقى صدى جميلاً، ودعماً جيداً”، بحسب ما قالته ابنتها شادية (32) عاماً التي تساعدها بالطهي، وتعتبرها سميرة يدها اليمنى في هذا المشروع.
اختارت سميرة الطهي لمشروعها وأصرت عليه، وعجزت كلماتها عن وصف شعورها لحظة فوزها، فتقول: “منذ زمن طويل كنت أرغب بافتتاح هذا المشروع، وبفضل الله المدربات ساندوني ووجهوني للطريق الصحيح، واجتهدت، وطورت من نفسي، فاستحقيت الفوز ولله الحمد”.
وأكدت: “هذا المشروع مهم جداً بالنسبة لي، فمنه أعيل عائلتي وأوفر احتياجاتهم مع الأدوية التي تلزمهم، بالرغم من أن مردود المشروع أحياناً لا يكفي لتغطية تكاليف الأدوية”.
اختلفت إعاقة أبنائها بين ذهنية، وسمعية، وحركية، أكثرها قسوة ابنتها زهور التي تعاني من شلل دماغي، وتفتخر سميرة بهم، فهم من ينيرون دربها، ويمدونها بطاقة للحياة على حد قولها، إذ تقول بابتسامة عريضة “الي عنده معاق يفتخر ويعتز فيه، همه نوارة الدار”.
أما عن الابنة شادية تقول: “بالنسبة لي المطبخ عبارة عن لوحة فنية أتفنن بها على ذوقي، ومساعدتي لوالدتي تعني لي الكثير، فمنها أتعلم الطموح والمثابرة والدعم، وأنا شخصياً كنت أحلم بافتتاح مطعم لمأكولاتنا، وبإذن الله سيتحقق الحلم بالسعي”.
أحد أبنائها المعاقين توفي نتيجة حادث عمل تاركاً خلفه ابنته، فتعتني سميرة بحفيدتها عندما تأتي لزيارتها، كما تعتني بأولادها، فهي ما تبقى لها من رائحة ابنها وديع.
كانت أم سائد تسكن منزلاً لم يكن صالحاً للعيش الآدمي لمدة عشرين عاماً قبل الانتقال لمنزلها الذي تستقله الآن، الأمر الذي فاقم سوء وضع أبنائها، وتجاهلت مرضها “بالديسك” وتعايشت معه لإكمال المسير ولتشحذ أبناءها من قوتها.