*صمود أسطوري في مواجهة الاحتلال ومستوطنينه ونموذج يحتذى في المقاومة الشعبية
رام الله-المحرر- نيفين شراونه- “ساق الله على أيام زمان”، بهذه الكلمات تلخص الحاجة عزيزة التميمي (89) عاماً من قرية النبي صالح التي تقع على بعد (22) كم من شمال غربي رام الله حياة القرية قبل سنوات من احتلال الضفة وتشييد مستوطنات بعد مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي على مدار سنوات.
تقول التميمي” كانت الحياة قديماً جميلة وهادئة وبسيطة، وكان العرس يمتد لأسبوع كامل، والنساء يرتدين الأثواب”، مشيرة إلى أنها عندما تزوجت كان عمرها (16) عاماً ومهرها كان مبلغاً متواضعاً لم يتجاوز الـ (25) ديناراً.
وتضيف” كانت ليالي القرية جميلة، ورغم انتشار مرض الحصبة في ذلك الوقت الذي تسبب بوفاة ما لا يقل عن (30) من أطفال القرية، لكن حياة الأهالي التي اتسمت بالبساطة وبالاعتماد على الطبيعة زرعت الطمأنينة والسرور”، مبينة أنها كانت تعتمد كباقي الأهالي على الحطب في إعداد الطعام وتسخين المياه، وعلى الطابون في إعداد الخبز وذلك باستخدام الجفت وأوراق الأشجار وروث الحيوانات.
توضح التميمي أن تلك الحياة الجميلة بدأت تتغير شيئاً فشيئاً منذ أن احتلت اسرائيل الضفة الغربية في العام 1967، ومن ثم إقامة مستوطنة “حلميش” على أراض تابعة للقرية والقرى المجاورة في العام 1976.
تقول التميمي”هذا الاستيطان يشوه حياتنا ويصادر أراضينا ويتسبب في قتل أولادنا، ويجعلنا مرغمين على خوض معركة البقاء”.
صمود في وجه الاستيطان
ورغم قلة عدد سكان القرية البالغ (1200) نسمة نصفهم يقطنون خارجها، غير أنها تجسد اليوم صموداً أسطوريا في التصدي للاستيطان، إلى أن أصبحت نموذجاً يحتذى في المقاومة الشعبية.
يقول ناجي التميمي رئيس المجلس القروي في النبي صالح” صادرت سلطات الاحتلال جزءاً من أراضي القرية في العام 1976 وأقامت عليها ما يسمى بمستعمرة(حلميش)، ثم تعرضت القرية على مراحل لحملات واسعة من السيطرة والإستيلاء على أراضيها الزراعية من قبل المستوطنين، الذين استغلوا أحداث الانتفاضة عام 1987 وما رافقها من ظروف ميدانية لتوسيع المستوطنة”.
وأشار إلى أن أهالي القرية رفعوا دعوى قضائية فيما يسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية عام 1977 احتجاجاً على مصادرة أراضي القرية، إذ أصدرت المحكمة قراراً بوقف المصادرة، لكن قدوم حكومة الليكود في ذلك الوقت سمح للمستوطنين بمزيد من عمليات الاستيلاء والبناء.
نموذج في المقاومة الشعبية
تميزت قرية النبي صالح ورغم صغرها بالتضحية وبتنظيم حملات منظمة لتعزيز المقاومة الشعبية، وبنقل صورة هذا الصمود إلى العالم بتوظيف الكاميرا واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول باسم التميمي أحد نشطاء المقاومة الشعبية “وظف المناضلون من أبناء القرية والمتضامنين الأجانب والمشاركين معهم من طلبة الجامعات ونشطاء الإعلام الكاميرا بشكل إبداعي من خلال موقع (تميمي برس) أو المكتب الإعلامي لحركة المقاومة الشعبية وذلك بإرسال صور وأخبار وتقارير بلغات متعددة لمئات الوكالات الإخبارية والمواقع الإعلامية”، مشيراً إلى أن هذه الحملات نجحت في صياغة رسالة إعلامية مميزة لتجسيد الرواية الوطنية وفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
ويضيف “رغم صغر القرية غير أنها احتلت المشهد في الحياة النضالية والوطنية والسياسية”، منوهاً إلى أهمية استخدام الكاميرا في المقاومة الشعبية لاستقطاب متعاطفين مع القضية الفلسطينية وفضح الاحتلال وممارساته.
تاريخ نضال ممتد
تميزت قرية النبي صالح بنضالها عبر جميع المراحل التاريخية، بدءاً من الثورة الفلسطينية عام 1936، إذ شارك عدد من أهالي القرية في معارك الثورة ضد الانتداب البريطاني والمنظمات الصهيونية الإرهابية، وقد استشهد عدد منهم وأصيب آخرون خلالها.
وفي 22-11-1984 وخلال اقتحام قوات خاصة من جيش الاحتلال لرام الله اغتالت ابن القرية (بكر علي التميمي) الذي كان يستعد لزفافه حيث حول الفرح إلى حزن كبير في ذلك الوقت.
كما انخرط أبناء القرية في الانتفاضة الكبرى عام 1987، وشارك عدد من رجالاتها في قيادة الانتفاضة منهم الدكتور (سمير شحادة التميمي) الذي تعرض للاعتقال على إثر صياغته بيانات القيادة الموحدة.
وبالإجمال قدمت القرية في مختلف المراحل (22) شهيداً، وعدداً كبيراً من الأسرى بعضهم أمضى حكما بالمؤبدات قبل الإفراج عن معظمهم في صفقات تبادل، مثل الأسير المحررنزار التميمي، والأسيرة المحررة أحلام التميمي، والأسير المحرر أحمد التميمي، بينما أفرج عن الأسير سعيد التميمي بعد أن أمضى نحو (21) عاماً في الأسر.
القرية من عائلة واحدة
سميت القرية بهذا الاسم، لأنه يوجد بها مقام للنبي صالح أسوة بمقامات أخرى منتشرة في فلسطين، وهذا المقام أقدم من القرية نفسها التي بنيت أساساً لتوفير الحماية لزوار المقام.
عائلة واحدة وحدها من تسكن القرية، وهي عائلة التميمي وجذورها من مدينة الخليل، والمنتشرة في عدد من بقاع فلسطين التاريخية، منها قريتا النبي صالح ودير نظام بمحافظة رام الله والبيرة.
تبلغ مساحة القرية قبل مشروع التسوية (2840) دونماً منها أراض متداخلة مع أراضي قرى مجاورة، وكانت القرية تعتمد في الماضي على الزراعة كباقي القرى الفلسطينية قديماً وخاصة زراعة الزيتون، لكن في الوقت الحالي نتيجة الاعتداءات الاستيطانية على القرية وأراضيها، فإن أكثر من نصف الأراضي تم مصادرتها ومن بينها عيون مياه مثل “عين خالد” و”عين القوس”.
ويتعمد الاحتلال ومستوطنوه طوال الفترة السابقة إطلاق الخنازير على أراضي القرية لإرهاب الأهالي، ولذلك قلَ اعتماد القرية على الزراعة وتوجه ساكنوها نحو الوظائف في القطاعين العام والخاص.
يوجد في القرية العديد من المنشآت الصناعية والزراعية والتجارية منها: مصنع الألبان التابع لشركة البينار، وشركة مطاحن رام الله الكبرى، بالإضافة إلى شركة الخواجا للوقود، وشركة بني زيد لمواد البناء، وشركة العطاء، وبعض المحال التجارية. كما يحيط بالقرية مجموعة من الخرب الأثرية مثل “خربة فسة ” من الشمال، و”حبلتا” في الجنوب، و”تبنة” في الغرب، وتحتوي على أنقاض أبنية وحجارة تاريخية.
عزيزة التميمي التي غزا الشيب رأسها، وعاصرت مراحل تاريخية عدة، ورغم حنينها لحياة الماضي الجميلة، غير أنها ترى أن المستقبل لأصحاب الأرض مهما مرت السنون، فأبناء قريتها مازالوا ثابتين على أرضهم رغم كل التحديات، ومازالوا يصنعون أسطورة في الصمود رغم بشاعة الاحتلال والمستوطنين.