رام الله- المحرر-ميرال مرقة-يواجه الأهالي والتربويون حاليًا مشاكل عدة ناجمة عن ظاهرة “الإدمان الإلكتروني”، ما أدى لتنامي ما يسمى “السلوك الاستهلاكي”، وأصبحوا يتلفظون شتائم وعبارات تقلل من شأن زملائهم، ويتقمصون شخصيات تتسم بالعنف في مظهرهم وطريقة كلامهم مع الآخرين .
شخصيات مشهورة تقليدها قاتل!
إشكاليات تربوية وسلوكية مع الأطفال يواجهها كثير من الآباء والأمهات، بسبب تقليد أطفالهم مشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن أولئك الأطفال باتوا يقضون أوقاتًا طويلة على تلك المواقع قد تصل لنحو 5 ساعات، من أجل متابعة أولئك المشاهير.
على أرض الواقع وبسبب ذلك التقليد القاتل، يتداول الأطفال عبارات وكلمات بذيئة، ومحاولة تنفيذ حركات وأفعال خطرة، ويسخرون من الآخرين ويعصون والديهم ولا يحترمون كبار السن، علاوة على استخدام مصطلحات من لهجات أخرى، والتأثر بثقافات أخرى، وإرهاق الأهالي بمتطلبات ترهقهم ماليًا أو ربما لا تكون موجودة بالأسواق، توضح المعلمة حياة شيوخي.
لدى كثير من الأطفال، بحسب شيوخي، “أيقونة” من شخصيات ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، يتقمصونها، ويعتبرونها قدوة في ملبسهم وطعامهم، ما يخلق عدم رضا الأطفال عن واقعهم بسبب عدم تلبية احتياجاتهم، أو يتأثرون بتقليد السلوك وربما يلجأون للعنف والمشاكل مع زملائهم واستخدام التنمر على الآخرين، ما يمهد لخلق شخصية عدائية لا تقبل الحلول، حيث رصدت شيوخي سلوكيات عنيفة يمارسها أطفال تأثروا بتلك الشخصيات.
تشرح الاستشارية النفسية رشا نوارة، أن الطفل يراقب الأشخاص، الذين يعتبرهم قدوة، كأبطال مفضلين، أو مشاهير (فيسبوك) و(انستغرام)، و(سناب شات)، وغيرها، فيراقب كيفية مواجهتهم المشكلات اليومية؟ وكيف يواجهون خصومهم؟ ويحفظ الطفل هذه المشاهد بالذاكرة، على أنها الطريقة المثلى للتعامل مع المشكلات الشخصية، وعند تعرضه لمواقف من النوع نفسه، تسترجع ذاكرته هذه المشاهد، ويحاكي أفعال أبطاله الوهميين، متخذاً من أسلوبهم وسيلة لحل مشكلاته.
تأثير وسلوكيات خطيرة
لا ينحسر الخطر على العدائية والسلوك العدائي فقط، بل يتعداه إلى سلوك اجتماعي ونفسي، حيث أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة على الهاتف أصبح العديد منهم يعاني مشاكل في النظر، فاحتاجوا لارتداء نظارات طبية.
تشدد الاستشارية النفسية رشا نوارة على أن تعرض الطفل المستمر لمشاهد العنف، يزيد من خطر نشوء السلوك العدواني لديه وتناميه، وقد ينجم عن ذلك نوع من التعود وانعدام الحساسية تجاه الآخرين.
كما أن التأثير لا يقتصر على الجانب النفسي والسلوكي، ولكن الجسدي أيضاً، حيث تتأثر ساعات نوم الأطفال، لأن الضوء الأزرق المنبعث من شاشة الهاتف يمنع الدماغ من الإفراج عن هرمون الميلاتونين، الذي تفرزه الغدة الصنوبرية في المخ، ويساعد على النوم حين تواجه عين الإنسان الظلام ويشعر بالنعاس، لذلك فإن الأطفال تحديداً لا بد أن يكون معدل ساعات نومهم أكثر من البالغين لمساعدتهم بتطوير قدراتهم الحركية والبصرية والسمعية كون جميع وظائف الجسم تصبح غير منتظمة.
على الصعيد الاجتماعي تتأثر علاقة الطفل مع الآخرين من حوله، حيث يتوجب على الأطفال التواصل بشكل مباشر من خلال العيون، والحديث المباشر لتنمية مهاراته الاجتماعية، لكن الجلوس لساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي يقلص هذه المهارات، ويصبح الطفل شخصيه انطوائية وهشة وتميل للخجل في المواقف الاجتماعية وتجعل الطفل يعيش تضارباً بين ما يراه في الواقع، وما يشاهده في مواقع التواصل، وقد ينجم عن ذلك نوع من الاضطراب الثقافي، والاختلال في المعايير بين الصواب والخطأ، في عالمه الخارجي كالمدرسة والروضة ويرى أنه مختلف عن الآخرين .
ووفق دراسة بحثية، لـ “جامعة كمبريدج” عن الرابط بين استخدام المراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي ومستوى شعورهم بـ”الرضا عن حياتهم”، وجد أن الفتيات يعانين ارتباطًا سلبيًا بسن (11-13 سنة)، والأولاد يعانون ارتباطًا سلبيًا بسن (14-15 سنة).
متابعة الأهل.. الواجب المطلوب
عادة يقلد معظم الأطفال الشخصيات المحببة لديهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن المشكلة تكمن في عدم متابعة الأهل للمحتوى الذي يشاهده أطفالهم، ما يوقعهم بمشاكل خطيرة هم بغنى عنها، تؤكد المعلمة حياة شيوخي.
ما يدفع لاستسهال الأهالي وميلهم إعطاء أطفالهم الهواتف الذكية، كونها وسيلة إلهاء لهم كي يقوموا بالمقابل بالمهام اليومية الأخرى، وهم يشعرون بالطمأنينة، لكنهم لا يدركون خطر المحتوى العنيف، لفظياً وجسدياً، مما يبث بكثافة على شبكة الإنترنت.
تقول الاستشارية النفسية رشا نوارة: “إن بعض المواقع غير خاضعة للرقابة، وتبث في الدول العربية خاصة (التيكتوك) وتحوي عديد المشاهد الجنسية غير اللائقة، دون مراقبة الأهل والتأكد من محتوى ما يعرض لهم، ما يجعل الطفل ضحية أفكار تنافي نشأته الدينية والثقافية، وتسبب صدمة للطفل، وتؤثر على سلوكه بشكل عام”.
تؤكد نوارة على أهمية دور الأسرة في مراقبه المواقع التي يشاهدها الأطفال وتحديد عدد الساعات المسموح بها لاستخدام الطفل الهاتف المحمول، والعمل على خلق بدائل للطفل، بعيداً عن العالم الإلكتروني، وتشجيعه على أن يعيش حياته الطبيعية، ويقضي وقته في ممارسة الرياضة والهوايات.
وتشدد نوارة على ضرورة تصحيح المفاهيم والسلوكيات الخاطئة لدى الطفل، التي يتأثر بها بسبب مشاهدة مقاطع الفيديو على الإنترنت، وتعزيز وعيه بأهمية القيم والمبادئ الدينية، التي يقوم عليها المجتمع العربي.
تنصح نوارة بضرورة عدم استخدام الهواتف قبل الخلود إلى النوم، وعدم السماح للأطفال دون سن الثالثة عشرة بامتلاك هواتف ذكية، حسب توصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال.
من المهم أن نستمع لناقوس الخطر الذي يدق للانتباه إلى جيل كي لا يقع ضحية خطر مشاكل إدمان التطور التكنولوجي، والذي بات يجتاح كل شاشةٍ مضاءة، فلا بد من الحرص على أطفالنا، ليكوا بدائرة رقابية متواصلة، مركزها “كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته!”.