رام الله-المحرر-أمل زهران وموسى دراج-قائدُ عملياتِ الثَّأرِ للمهندسِ يحيى عيّاش، والمحكومُ بثمانيةٍ وأربعين مؤبداً في سجونِ الاحتلال، سار على خُطى رفيقه العياش، فخطَّطَ وقاد سلسلةَ عملياتٍ تفجيريّةٍ، أوقعت عشراتِ القتلى والمصابينَ في صفوفِ الاحتلال، ردّاً على اغتيال يحيى عياش، حتى أصبحَ رمزاً للعمل العسكري المقاوِم وعملياتِ الثَّأرِ.
وُلد الأَسير سلامة في التاسع من آب عام ألف وتسعمئة وواحد وسبعين، في مدينة خانيونس، إذ تعود أصولُ عائلتهِ إلى بلدةِ الخيمةِ قضاءَ مدينةِ الرملة، التحقَ بمدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، وأنهى الثانويةَ العامةَ في غزة، ولازمَ الدروسَ العلميةَ التي كانت تُقامُ في مسجد الإمام الشافعي بمنطقةِ سكنِه.
ومع اندلاعِ الانتفاضةِ الأولى عامَ ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعةٍ وثمانين، شاركَ سلامةُ في إلقاءِ الحجارةِ والزجاجاتِ الحارقةِ على قواتِ الاحتلال، وانضمَّ إلى جهازِ العملِ الجماهيريِّ التّابعِ لحركةِ حماس، وقد تدَّرج في أنشطةِ المقاومةِ إلى أن أصبحَ عضواً في كتائبِ القسام، وخلالَ نشاطِه في إحدى المواجهاتِ أُصيبَ بعيارٍ ناريٍّ في فخذِهِ الأيسر، وكانت إصابَتُه متوسطةً.
اعتقلَه الاحتلالُ خمسَ مرات، وكان يحكم عليه في كلِّ مرةٍ بستةِ أشهرٍ إداري دون تهمةٍ، وبعدَ خروجِه من سجونِ الاحتلالِ، التحقَ بمجموعاتِ الصّاعقةِ التابعةِ لحركةِ حماس، والتي كانت مَهمَّتُها ملاحقةَ العملاءِ، وكان مسؤولاً عن إحدى مجموعاتِها في خانيونس.
وفي عامِ ألفٍ وتسعمئةِ وثلاثةٍ وتسعين عاد حسن سلامة إلى قطاعِ غزةَ بعد إبعادِه عنها لحمايتِه من الاعتقال، والتحقَ مجدداً بالجناحِ العسكري لحركةِ حماسَ في غزة، حيث عملَ بشكلٍ مباشرٍ مع قائدِ الجناحِ العسكريّ لحماس محمد الضيف. وفي تلك الفترةِ توطدت علاقتُه بالمهندسِ يحيى عيّاش.
وبعد اغتيال العياش عام ألفٍ وتسعمئةٍ وستةٍ وتسعين قرَّرت كتائبُ القسامِ الردَّ على عمليةِ الاغتيال، فتقدّمَ حينها الأسيرُ حسن سلامة بطلبٍ ليكونَ أحدَ المنفّذينَ لعملياتِ الثّأرِ، لكنّ القيادةَ العسكريةَ للحركةِ رفضت طلبَه، وأوكلت له مَهمَّةَ التخطيطِ والإشرافِ الميدانيِّ على سلسلةِ عملياتِ الرّدِّ بالكاملِ.
انتقلَ الأسيرُ حسن سلامة إلى الضفةِ الغربيةِ، وبدأَ بالتخطيطِ لتنفيذِ العملياتِ المتَّفقِ عليها، وبعد مرورِ 40 يوماً على حادثةِ الاغتيالِ، تمكّنَ سلامةُ وعدداً من المقاومين من تنفيذِ ثلاثِ عملياتِ تفجيرٍ، أوقعتْ ستةً وأربعينَ قتيلا إسرائيلياً، وعشراتِ الإصاباتِ، تم على إثرها حصارُ قطاعِ غزةَ والضفة، ومن هنا بدأت أكبرُ حملةِ مطاردةٍ للأسيرِ حسن سلامة، وأصبحَ المطلوبَ الأول للاحتلالِ.
في السابع عشر من أيار من عام ألفٍ وتسعمئةٍ وستةٍ وتسعين، نصب الاحتلالُ حاجزاً مفاجئاً في الخليل، اكتشفَ سلامةُ الحاجزَ وحاولَ الانسحابَ، لكنَّ الجنودَ أطلقوا النار عليه، فأُصيب سلامة وتم اعتقالُه، ومنذ لحظاتِ الاعتقالِ الأولى بدأت أجهزةُ الاحتلالِ بالتحقيقِ المباشرِ معه، لمدةٍ استمرت ثلاثةَ شهورٍ متواصلةٍ، تعرّضَ خلالَها لأبشعِ أَشكالِ التَّعذيِب والتنكيلِ.
وقد وُجِّهت له العديد من التُّهمِ، كان من أبرزِها الانتماءُ لحركةِ حماس، والعملُ في جهازِها العسكريّ، والمشاركةُ في نشاطاتِ الانتفاضةِ الفلسطينيةِ الأولى، وتزويدُ الجهازِ العسكريِّ لحماسَ بالموادِ المتفجرةِ المهربةِ من الخارج، والتخطيطُ والتنفيذُ لثلاثِ عملياتٍ تفجيريةٍ أدت إلى مقتلِ وإصابةِ عشراتِ الإسرائيليين.
وبعد مرورِ عامينِ على اعتقالِه، حكمَ عليهِ الاحتلالُ بالمؤبدِ ثماني وأربعين مرة أي (1175) عاماً أمضى منها أكثر من ربع قرن 13 عاماً في العزل الانفرادي، وانتهى عزلُه بعدما خاضَ إضراباً عن الطعامِ عامَ ألفينِ واثني عشر.
كما أطلقَ الأسيرُ سلامة كتابين، الأول “خمسةُ آلافِ يومٍ من العزلِ الانفرادي” سلّط فيه الضوء على معاناةِ الأسرى وتجاربهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وظلمهم وقمعهم للأسرى، والثاني بعنوان “الحافلات تحترق” تحدث خلالَه عن عملياتِ الثأرِ التي أشرف عليها، وعن علاقتِه بالضيفِ والعيّاش.
وفي عامِ ألفين وعشرة، عقدَ الأسيرُ سلامة قِرانَه على الأسيرةِ المحررةِ غفران الزامل في المحكمة الشرعية بمدينة نابلس، بعدما أرسلَ سلامةُ وكالةً عن طريقِ الصليبِ الأحمر للشيخ حامد البيتاوي بتوكيله بأمرِ الخِطبة، نظراً لصعوبةِ وصولِ عائلتِه من غزةَ إلى الضفةِ الغربيةِ.
حدَّثتنا الأسيرةُ المحررةُ غفران الزامل أنّها قرأَت وهي في مرحلةِ دراستِها الجامعيةِ كتاباً لحسن، يتحدثُ عن عملياتِ الثأرِ المقدسِ التي نفذها انتقاماً للشهيدِ يحيى عياش، وكانت قد رأت صورَتَه وهو في قاعةِ المحكمةِ، وحولَهُ مجموعةٌ من الجنودِ، وهو يبتسمُ في اللحظةِ التي يَصدرُ بحقّهِ حكمٌ بثمانيةٍ وأربعين مؤبداً، فقد جعلها ثباتُ هذا الرَّجلِ وقوتُهُ تشعر وتتيقن أنّها لا بدَّ أن تكملَ حياتَها بجانبِ رجلٍ كهذا بكلِّ ما يحملُه من مواصفاتٍ.
وتابعت بأنَّها حملتْ حُلمَ الارتباطِ بالأسيرِ حسن سلامة داخَلها، حتى قدَّرَ اللهُ لها الاعتقالَ لدى الاحتلال، خلال اعتقالِها تعرفت على الأسيرةِ المحررةِ أحلام التميمي، وبعد أن توطدت علاقتُهما حدَّثت أحلامَ بالسرِّ الذي تحتفظُ فيه، وأنّها تتمنى الارتباطَ بالأسيرِ حسن سلامة، فما كان من أحلام إلا أن أرسلَت رسالةً تُحدِّثُ فيها حسنَ عن رغبتِها بأن تختارَ له شريكةَ حياتِه، وأبدى حسنُ موافقَتَه حينها، ظنّاً منه أنّها تحدّثُه ما بعد خروجهم من السجن، خاصّةً أنَّ تلك الفترةَ كان الحديثُ يدورُ فيها عن إتمامِ صفقةٍ للتبادلِ مقابلَ الجندي شاليط.
وختمتْ غفرانُ الزامل حديثَها بالقولِ “أُحدِّثُكَ اليومَ ومضى على ارتباطِنا وزواجنا ١٣ عاماً، لم تزدنا هذه الأعوامُ إلا قوةً وصلابةً وتمسكاً أكثر بخيارِنا، وأملُنا باللقاءِ مجدداً لن يخبو يوماً، فنحن على ثقةٍ ويقينٍ بوعدِ الله لنا، وإنَّ عاقبةَ صبرِنا فرجٌ وفرحٌ ولقاءٌ بإذنِ الله.
وكتبَ الأسيرُ سلامة أثناءَ تواجدِهِ في العزلِ الانفرادي، في سجنِ عسقلان رسالةً خاطبَ فيها الشعبَ الفلسطينيَ، وختمَ رسالَتَه بالقولِ:
“مع كلِّ هذه الأجواءِ ما زلتُ أشتاقُ للنومِ، وقد أتمكنُ لأنني أشتاقُ لِأَنْ أحلمَ، وأريدُ أن أحلمَ وحُلمي بسيطٌ ومتواضعٌ، أن أنامَ ساعةً بشكلٍ متواصلٍ، غيرُ متأكدٍ من تحقيقِ حُلمي، لكنني على ثقةٍ باللهِ أنَّ الفجرَ قادمٌ ..النّصرَ قادمٌ .. التحريرَ قادمٌ..
ولأنَّكم في عالمِكم مشغولون حتى عن أنفسِكم، كان اللهُ في عونِكُم، سأدعو لكم لكن هل عندكم دقيقةٌ للدعاءِ لنا!
أخوكم المعزولُ في العالمِ المجهولِ بالنسبة لكم
من قبر رقم 9 في عالم الأموات”