رام الله-المحرر-فارس بدر وسعاد خواجا-عندما يقدم الأسير الفلسطيني على البدء في معركة الأضراب عن الطعام، احتجاجا على انتهاكات حقوق الانسان وعلى رأسها الاعتقال الاداري واحتجاجا على ظروف الاعتقال الصعبة التي يعيشها الأسرى في المعتقلات (الإسرائيلية) فإنهم، يرفعون شعار “النصر أو الشهادة” كما حدث مع الشهيد الأسير خضر عدنان الذي كان له تاريخ طويل في الاضراب عن الطعام منذ العام 2004 وفي كل مرة كان ينتصر على سجانه وكان آخرها نيله الشهادة.
ليس من السهل أن يقدم الأسير على خطوة الإضراب عن الطعام ، لكنها السلاح الوحيد الذي يقاوم به إدارة مصلحة السجون لتحقيق أبسط حقوقهم الإنسانية التي كفلتها كافة المواثيق الدولية من توفير العلاج والكتب الدراسية وتنظيم الزيارات وتحسين جودة الطعام والنضال من أجل السماح لهم بالتواصل عبر الهاتف مع ذويهم.
ويعرف الإضراب عن الطعام فلسطينيا بـ “معركة الأمعاء الخاوية”، وهي امتناع الأسير الفلسطيني عن تناول كافة المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح. وهي خطوة نادراً ما يلجأ إليها الأسرى؛ و يعتبرالاضراب عن الطعام الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأ إليها الأسرى لما لها من مخاطر جسيمة – جسدية ونفسية- والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد الاستشهاد بدءا بالشهيد عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد بتاريخ 11/7/1970، خلال إضراب سجن عسقلان. وآخرهم الشهيد خضر عدنان الذي استشهد بعد خوضه 87 يوما من الاضراب المفتوح عن الطعام.
أرقى أشكال النضال داخل المعتقلات الاسرائيلية
الشهيد عبد القادر أبو الفحم اول شهداء الحركة الأسيرة بسبب الإضراب عن الطعام، ومروراً بالشهيد راسم حلاوة وعلي الجعفري والذين استشهدا في يوليو 1980 خلال إضراب سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ الذي استشهد إثر إضراب سجن جنيد عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات والذي استشهد أكتوبر 1992 في إضراب سجن عسقلان.
ولا يلجأ الأسرى عادة إلى مثل هذه الخطوة إلا بعد نفاد مخزونهم من الخطوات النضالية الأخرى، او بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم عبر المفاوضات مع السلطات الاحتلالية، والحركة الأسيرة التي تمثل المعتقلين.
كما تعتبر اهم الأساليب النضالية، من حيث الفعالية والتاثيرعلى ما يسمى بإدارة مصلحة السجون الاسرائيلية وتأثيره على الرأي العام المحلي والدولية من اجل الضغط على حكومة الاحتلال لتحقيق مطالبهم الإنسانية ،
و بعد ارتقاء الأسير الشهيد خضر عدنان، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 236 شهيدًا، منذ عام 1967، منهم 75 نتيجة لجريمة الإهمال الطبي المتعمد
جرت أول تجربة نضالية لخوض الإضراب عن الطعام في السجون الاسرائيلية في سجن نابلس في أوائل عام 1968، حيث خاض الأسرى أول اضراب عن الطعام استمر لمدة ثلاثة أيام؛ احتجاجاً على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على يد الجنود الاسرائيلين وللمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية، ثم توالت بعد ذلك الإضرابات عن الطعام.
يقول وجدي عطايا وهو أسير محرر منذ بداية العام، أن تجربة الاضراب عن الطعام ليست سهلة، ولا يلجأ إليها الأسرى من اللحظة الأولى بل بعدما تنفذ كل محاولاتهم في إيجاد حلول مع إدارة السجون للاستجابة لمطالبهم الأساسية.
ولأن عطايا اعتقل اداريا لعدة مرات في سجون الاحتلال، و خاض تجربة الإضراب أكثر من مرة، اجاب عن سؤال حول الوضع النفسي للأسير خلال الاضراب ” يكون أمامنا خياران لا ثالث لهما إما النصر أو الشهادة”.
وأوضح أن الأمر ليس سهلا في ظل الضغوط النفسية والجسدية وكل أنواع العذاب التي يتعرضون لها من قبل السجان، مشيرا إلى ضرورة مساندة الأسرى من الشعب الفلسطيني خصوصا عندما تكون هناك حالات اضراب عن الطعام لأن ذلك يساعد على نجاح و انتصار الاسير وأضاف قائلا الشعب الفلسطيني يملك أسلحة متعددة لمحاربة الاحتلال، لكن داخل السجن لا يوجد سوى سلاح الإضراب عن الطعام لانتزاع حقه الانساني .
ويؤكد الأسير المحرر عطايا أن قرار الإضراب عن الطعام يعتبر صعبا، خاصة وأنه يأتي بفعل القهر والحرمان الذي يمارس ضد الأسرى.
واضاف أنه قبل قرار الخوض في الإضراب يتجهز الأسرى مسبقا، ويستعدون نفسياً وجسدياً، ويكون التنسيق بين كافة المؤسسات الحقوقية والحركة الأسيرة، وكذلك يتم إعلام الأهالي سواء كان الاضراب فرديا أو جماعيا.
وعند وصول خبر استشهاد أسير يقول مسالمة:” نغضب كثيرا ونطرق على الأبواب وتعلو أصوات التكبير من كل الغرف، ونعلن حالة العصيان ونطالب القوى الوطنية في الخارج للضغط لفتح تحقيق ومعرفة أسباب الاستشهاد، بالإضافة إلى مقاطعتنا لإدارة السجون حيث نرجع وجبات الطعام”.وتابع:” حين يرتقي أحد الأسرى شهيدا، ندرك جيدا أن أي منا شهيد مع وقف التنفيذ، سواء يعاني أحدنا من مرض أم لاء”.ويختم قوله:” ما جرى مع الشهيد خضر عدنان، وغيره من الأسرى الشهداء هي عملية اعدام مبرمجة تنتهجها مصلحة السجونو مستمرة ان لم نقم بردع هذه السياسات الاحتلالية بحق الأسرى الفلسطينيين”.
الاعتقال الإداري.. حبس للحرية بدون سقف زمني
نحو 50 ألف فلسطيني اعتقلوا إداريا أو محاكمة منذ عام 1967 دون تهمة ، وبلا سقف زمني، بموجب ملف سري لا يسمح للمعتقل أو محاميه بالاطلاع عليه.
تعرف مؤسسة “الضمير لرعاية السجين وحقوق الإنسان” الفلسطينية الاعتقال الإداري بأنه “اعتقال للفسطيني بدون تهمه أو محاكمة”.
وتضيف أن الاعتقال الإداري يعتمد على ملف سري وأدلة مزعومة لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، وهو يصدر بأوامر عسكرية إسرائيلية لمدة أقصاها ستة شهور، ويمكن تجديده مرات غير محدودة، وقد يُفرج عن المعتقل الإداري، ويعاد فورا للاعتقال مجددا، أو تقدم له لائحة اتهام ويحاكم بعد اعتقاله إداريا.
وبدأت إسرائيل استخدام هذه العقوبة، المحظورة في القانون الدولي، ضد الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال والنساء، منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس عام 1967
و قد شهد العام 2022 اكبر عدد للمعتقلين الاداريين حيث بلغ ما يقارب 1000 اسير من بينهم 6 اطفال و 9 نساء. تشير مؤسسة الضمير إلى أن المعتقل الإداري لا يعلم تاريخ الإفراج عنه، وقد يَصدر أمر تجديد اعتقاله قبل أيام قليلة من موعد الإفراج عنه، أو في ذات اليوم المقرر فيه الإفراج عنه.
وقد شهدت هذه الإضرابات تحولًا كبيرًا في مواجهة الاعتقال الإداري، حيث تمكن المعتقلون الإداريون من فضح هذه السياسة القمعية والظالمة التي تتبعها سلطات الاحتلال في حق المعتقلين الفلسطينيين.
وفي لقاء مع حلمي حمدان مدير مركز حريات للدفاع عن حقوق الانسان قال إنه منذ عام 2011 شارك أكثر من 400 معتقل فلسطيني في هذه الإضرابات، وكان هذا الإضراب بمثابة سلاح للمعتقلين الإداريين في مواجهة الاحتلال، وفي كشف معاناتهم ومظالمهم أمام العالم.
ويعد الإضراب عن الطعام بمثابة السلاح الأقوى لدى المعتقلين الإداريين، حيث يمكن لهذا الإضراب أن يؤدي إلى تحقيق مطالبهم، وتحريرهم من سجون الاحتلال، وقد أثبتت هذه الإضرابات الفردية نجاحها في العديد من الحالات حيث تم الافراج عن المعتقلين الاداريين الذين شاركوا في هذه الاضرابات.