تحقيق: فاطمة العيسى
* (39) قضية تابعتها النيابة العامة بالضفة بين عام 2007 و2011 متعلقة بالأخطاء الطبية
*الطب الشرعي أثبت أن سبب الوفاة هو “خطأ طبي” ثم تراجع بعد ذلك
*طبيبة تابعت حالة مريضة عبر الهاتف إلى أن توفيت ثم خرج تقرير يفيد بأن سبب الوفاة جلطة!
*غياب لنصوص قانونية تحاسب على الأخطاء الطبية والجهات الرسمية تتحدث عن إعداد قانون سيرى النور خلال عام
وزارة الصحة: هناك أخطاء طبية تقع لكنها ضمن الحدود العالمية
أستاذ قانون: لجان التحقيق غير حيادية وهي تشكل من أطباء زملاء للمتهمين بارتكاب أخطاء
الأخطاء الطبية أصبحت ظاهرة شائعة في مشافي العالم، وليست في المشافي الفلسطينية فقط، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقات دائمة بسبب الأخطاء الطبية. المشكلة الأكبر في المشافي الفلسطينية لا تكمن في وقوع الخطأ الطبي فحسب، بل في عدم التعاطي المناسب من قبل الجهات المختصة لمعرفة أسباب الخطأ.
كشفت نقابة الأطباء عن تلقيها (160) شكوى في الأعوام الأربعة الأخيرة،(35) منها عام (2008)،و(39) شكوى خلال السبعة الأولى من عام 2011، كما تابعت النيابة العامة بالضفة الغربية (39) قضية من عام (2007) حتى عام(2011)متعلقة بالأخطاء الطبية، وهذه الإحصائية تحسب ما يرى خبراء على أن نسبة كبيرة من ضحايا الأخطاء الطبية لم يتقدموا بشكوى إما بسبب فقدانهم الثقة بالجهات المسؤولة،أو بسبب عدم قدرتهم على السير في إجراءات التقاضي لأسباب مادية أو معنوية.
اتهامات للطب الشرعي بإخفاء “جريمة”
شقيق الضحية، سائدة محمد حسين الأطرش، يرويما حدث مع شقيقته:”دخلت أختي مشفى بيت جالا الحكومي بتاريخ 10-9-2016 من أجل غسيل الكلى، مشيراً إلى أن الخطأ وقع عند إدخال البربيج لغسيل الكلى في منطقة الرقبة، حيث أدى ذلكإلى ثقب في القلب،ومن ثم إلى وفاتها في اليوم التالي، حسب تقرير الطبيب الشرعي الذي وردنا.
ويضيف:”نحن أرسلنا شقيقتنا سائدة إلى التشريح، والطبيب الشرعي أثبت ذلك، بناء عليه تم توقيف الطبيب عن العمل لمدة خمسة أيام، بعد ذلك أفرج عنه نتيجة تدخل نقابة الأطباء وعائلته”.وراح يتابع: “نحن لم نطلب إيقاف الطبيب، لكنه أوقف بناء على هذه الجريمة، لاحقاً تم تغيير تقرير الطبيب الشرعي وحُفظ الملف ولم يتم الاعتراف بالخطأ الطبي والإهمال لغاية الآن، ولم تجرأية مساءلة أو محاسبة، ولغاية الآن نحن مستمرون في متابعة القضية”.
ولفت إلى أن العملية أجريت لسائدة في مخزن بالمستشفى غير مجهز لإجراء هذه العمليات، بشكل مخالف لكل الأصول الطبية.
يواصل فريد شقيق الضحية قائلاً: “بعد كل الذي حدث أغلقت الملف في النيابة العامة وأوصدت أبواب القضاء أمامنا”.
طبيب على الهاتف!
فاتن أبو بكر (30 عاماً)، توفيت بسبب إهمال الطبيبة المشرفة على حالتها الدكتورة سناء طاهر، فقد ذكر زوج الضحية فاتن أن الطبيبة تابعت حالة زوجته على الهاتف!
أحمد نصار، زوج المرحومة، يروي لنا تفاصيل الحادثة:”بتاريخ 10-8-2010 دخلت زوجتي مستشفى الرازي الخاص في جنين، بناء على طلب الطبيبة المشرفة على حالتها التيحضرت بدورها إلى المشفى في حدود الثامنة صباحًا، وقامت بفحص زوجتي وقدمت لها وصفة للطلق الاصطناعي، ثم ذهبت إلى عيادتها وأكملت متابعة الحالة على الهاتف”.
وتابع: “بدأت أشعر بالقلق على حالة زوجتي، وشعرت أنها تسوء أكثر فأكثر، وأخبرت الدكتورة بذلك على الهاتف، ولكنها استمرت في تهدئة الوضع ومواساتي وهي تقول لا داعي للقلق، فالحالة على ما يرام”. وأشار إلى أن لديه كشفًا بمواعيد الاتصالات التي أجراها مع الطبيبة. بعد ذلك أعطوها طلقاً اصطناعياً، ما أدى إلى انفجار السائل في الرحم ومن ثم الوفاة، ولم تأت الطبيبة المشرفة، وبعد وفاتها شقت طبيبة أخرى بطنها واستخرجت الطفلة على عاتقها وكانت غير ميتة ولكنها توفيت في اليوم التالي. ويضيف أن القضية من (5) سنوات في المحاكم بلا نتيجة، حيث خرجت اللجنة التي حققت في الموضوع بنتيجة مفادها أن سبب الوفاة جلطة على الرئة، رغم أن كل الدلائل والشهود تثبت العكس.
إسعاف بلا أكسجين!
محمد زيدات يروي ماحدث مع شقيقته سيرين علي سعيد زيدات: “يوم الأحد 4-5 في حدود الساعة الواحدة نقلناها إلى المستشفى، وأنجبت مولودها بعد عملية قيصرية، في صباح اليوم التالي شعرت بتسارع في نبضات القلب، ذهب زوجها ليخبر الطبيب المشرف على حالتها فبعث الممرضة لتعطيها إبرة.بعد ذلك وفي حدود الساعة العاشرة، شعرت مرة أخرى في تسارع في نبضات القلب فحضر طاقم الممرضين ليفحصوها، وبعدها على الفور نقلوها إلى غرفة العناية المكثفة وأخبرونا بأنها أصيبت بجلطة في الشريان المغذي للقلب، وقرروا بعد ذلك تحويلها إلى مستشفى النجاح في نابلس، ولكنه رفض استقبالها بحجة عدم وجود أسرّة كافية. تقرر نقلها إلى مستشفى المقاصد، ولكنهم نقلوها بسيارة إسعاف غير مهيئة تمامًا وتفتقد كل مواصفات ومقاييس السلامة، وفي الطريق بين جنين والقدس-وتحديداً عند بلدة سيلة الظهر-نفدت أسطوانة الأكسجين فتوقفت سيارة الإسعاف بحدود نصف ساعة إلىأن وصلت سيارة تنقل علبة الأكسجين لها، وحال وصولها إلى مستشفى المقاصد-وحسبا لتشخيص- تبين أن سبب الوفاة هو انقطاع الأكسجين عن الدماغ فترة ربع ساعة، وهي فترة انتهاء أسطوانة الأكسجين.
وأضاف:”في حالة شقيقتي، حدث ثلاثة أخطاء طبية؛ بداية عدم إعطائها الإبرة التي تمنع الجلطات قبل العملية، فهم أعطوها هذه الإبرة بعد العملية وليس قبلها كما هو مفروض، والخطأ الثاني هو رفض مستشفى النجاح استقبالها،وهذا التأخير زاد الأمر سوءًا، إضافة إلى الخطأ الرئيسي وهو انقطاع الأكسجين عن الدماغ لمدة ربع ساعة بعد نفاد الأسطوانة التي كانت في السيارة التي نقلتها”.
وأشار إلى أنهم توجهوا لوزارة الصحة والجهات المختصة ورفعوا لهم كتاب مستشفى المقاصد الذي يوضح سبب الوفاة، ولغاية اليوم ينتظرون ردًا منهم.
وزارة الصحة تقر بوقوع أخطاء.. ولكن!
في مقابلة مع الدكتور ياسر بوزية، مدير عام الوزارة، فقد أكد ضرورة التفريق مابين الأخطاء الطبية والمضاعفات الطبية التي قد تحدث نتيجة تدخل طبي يقوم بإجرائه أي طاقم طبي.
وأضاف: “نعتقد أن هناك الكثير من الأخطاء الطبية في فلسطين، ولكنها ضمن الحدود العالمية”. لكن بوزية لم يقدم أية أرقام وإحصائيات حول نسبة الأخطاء الطبية المسجلة عالميًا وبين تلك المسجلة في فلسطين.
وأشار إلى أنه عند حدوث مشكلة في أي مرفق طبي فإن الوزارة تشكّل لجنة طبية حيادية من القطاع الحكومي والخاص ونقابة الأطباء، وإذا كانت القضية منظورة من القضاء فثمة مندوب من النيابة العامة يتابع شفافية اللجنة المشكلة، ومن ثم ترفع اللجنة توصياتها للوزير من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة، أما إذا كانت هناك لجنة قد تشكلت بطلب من القضاء الفلسطيني فيتم رفع التوصيات للقضاء الفلسطيني لإعطاء حكم في القضية.
كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على إعداد مسودة قانون مخصص للأخطاء الطبية، بالتعاون مع لجنة مشكلة من رئاسة الوزراء ونقابة الأطباء، ولكنه ونظرًا لتعقيد قضايا الأخطاء الطبية -حسب قوله-أكد أن القانون لا يمكن استصداره في يوم وليلة، وأنهم بحاجة إلى سنة على الأقل حتى تتم دراسته من نواح فنية وقانونية ومدى ملاءمتها وتطبيقها على أرض الواقع.
الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تعقب
يقول المحامي معن ادعيس، مسؤول ملف الأخطاء الطبية في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن الهيئة تستقبل الشكاوى المقدمة فيما يخص الأخطاء الطبية من ذوي المتضررين، وتتابعها مع وزارة الصحة، وتدفع لتشكيل لجنة تحقيق في قضية الخطأ الطبي، وتستمع إلى قرار اللجنة لتبلغ المواطن به، وبعدها هو الذي يتخذ الإجراء القضائي المناسب.
ويضيف أن الدائرة المسؤولة عن الأخطاء الطبية في الهيئة تعمل على السياسات التي تعالج هذه القضايا، سواء في المساءلة الجزائية أو المدينة، أما بخصوص مسودة القانون الذي تعمل عليه وزارة الصحة ونقابة الأطباء،فقد أشار إلى أن الهيئة قد أرسلت ملاحظاتها عليه، والتي تركزت حول تشكيل لجنة التحقيق في قضايا الأخطاء لطبية التي تقضي بوجود خطأ طبي أم لا. وأشار أيضًا إلى ضرورة تأسيس سجل وطني لقضايا الأخطاء الطبية، إضافة إلى مسألة التعويض والتأمين. وأضاف أننا كهيئة نأمل أن يتم تنفيذ هذا القانون؛ لأن عملية التنفيذ يشوبها العديد من الإشكاليات.
هل تنتهج لجان التحقيق الحيادية؟
أستاذ القانون في جامعة بيرزيت، ذياب الشيخ، يؤكد بأن مشكلة الأخطاء الطبية في فلسطين تكمن في لجنة التحقيق التي شكلتها الوزارة، منبهًا إلى أنها تتكون عادة من أطباء من المؤسسة نفسها، وفي نهاية المطاف فإن الطبيب المخطئ يغدو زميلهم، وهذا يؤكد عدم حيادية ومصداقية اللجان التي تبحث في القضايا.
وأشار الشيخ إلى أنه لايوجد في فلسطين نصوص قوانين للحكم في قضايا الأخطاء الطبية مباشرة كما الدول الأخرى، مضيفًا: “لدينا في قانون المخالفات المدنية عام 1944 مانسميه بالتعويض فقط، و لا يوجد قانون خاص لتعويض المتضررين عن الأخطاء الطبية، لكننا نعمل بما يسمى المسؤولية التقصيرية أو الفعل الضار، وهو كل إنسان يلحق الضرر بآخر.