رام الله-المحرر-مجدولين عبد الرحمن- على بعد 19 كيلومترًا شمال غربي مدينة رام الله، تقع بلدة عبوين التي ترتفع عن سطح البحر نحو 780 متراً، وتشتهر بوجود بلدة قديمة تعود لعدة قرون، وتتميز بتاريخها العريق.
تعتبر البلدة مركزاً للتراث والمعمار التقليدي، حيث تضم العديد من المباني القديمة المصنوعة من الحجر والطين، مع شوارع ضيقة معبدة بالحصى وأسواق تقليدية، وكانت تُعتبر قديماً مركزاً تجارياً هاماً في المنطقة.
تقول الحاجة نجاح محمود إن البلدة كانت تشتهر في الماضي بحياتها المزدهرة ونمط يختلف عن الحياة المعاصرة حالياً، مشيرة إلى أنه في تلك الأيام، لم يكن الناس يعملون في “إسرائيل” أو يعتمدون على الإيجارات بل كانت متطلبات الحياة بسيطة، إذ كانت تكفي “عشرة ليرات” للادخار لفترة طويلة، كون أن الأهالي كانوا يمتلكون كل ما يحتاجونه من مواد أساسية وتموينية من خير أراضيهم.
وتضيف “كانت الزراعة وتربية المواشي هي النشاط الرئيسي للسكان، وكانت السيارات تحمل المحاصيل من الأراضي الزراعية في البلدة القديمة مثل التين والزيتون والليمون والقمح والحمص والسمسم والبقوليات والتبغ والبندورة، وتنقلها إلى مدن وقرى أخرى، أما اليوم، تعاني البيادر من التلف، وقد انقطع الكثير من الناس عن زيارتها”.
وتوضح أنه بالرغم من ذلك، يحاول سكان عبوين الحفاظ على الحياة الزراعية، لكنهم يواجهون صعوبة في تشجيع الشباب على المشاركة والاهتمام بالزراعة التقليدية في ظل تبدل الاهتمامات وانغمساهم بالعمل في مجالات متعددة.
وتتابع “نحن الفلاحون كنا نزرع الشعير والقمح بكثرة، ونستخدم هذه المحاصيل في صنع التبن، ومن ثم نقوم بجمعه وتخزينه على أسطح البيوت القديمة”، مشيرة إلى أن تخزين التبن كان على مدار العام لتغذية الدواب، فكميات التبن كانت كثيرة أما في الوقت الحالي فيتم الحصول عليها من خلال التوزين بالأوقية”.
وتحتوي البلدة القديمة في عبوين العديد من المباني الأثرية، وخاصة البيوت القديمة المبنية وفق طراز عمراني رفيع، ومسجد الشهداء، والينابيع، وعين السفلى.
كما تضم البلدة “قصر سحويل”، وهو أحد الأماكن الأثرية المميزة في القرية، ويعتبر معلمًا تاريخيًا هامًا يشكل جزءًا أساسيًا من تراث المنطقة.
كان هذا القصر دارًا لعائلة سحويل، ويحتوي على “مشنقة” تنفذ فيها أحكام إعدام أحياناً بعيداً عن القانون. وكانت أرضية القصر عبارة عن بيارة مليئة بالزيت بدلاً من الماء، لكن المبنى اليوم تحول إلى “خراب” بعد أن هجر مالكوه القرية إلى مناطق أخرى.
تقول الحاجة نجاح أن المبنى المهجور يُعرف بـ “مشنقة”، لكن الزوار من خارج المنطقة يطلقون عليه اسم “قصر” بسبب مظهره القديم والجميل.
هذه الآثار تعكس تاريخ المنطقة، وتظهر تحول المبنى من دار عائلية إلى مكان يثير الدهشة والإعجاب بين الزوار.
تشير الحاجة نجاح إلى أنه كانت يسكن البلدة القديمة عائلتان، هما سحويل ومزاحم، يديرون شؤون البلدة، ولكن كان هناك صراع دائم بينهما إلى درج يمنع فيها الزواج بين أفراد العائلتين.
وتضيف “لكن هذه الخلافات تلاشت اليوم، فلا يمكنكِ التمييز بين ابن عائلة وأخرى، فقد أصبحوا يتعايشون كأخوة وأصدقاء، وأصبحوا يتفهمون بعضهم البعض أكثر، ويسعون لحياة خالية من تلك المشاكل”.
تؤكد الحاجة نجاح أن الأعراس التي كانت تقام في البلدة جميلة وتتسم بالبساطة وكانت تقام من ساعات الصباح حتى الليل.
وتضيف “كانت النقوط عادة ملزمة لكل من يحضر العرس حتى لو كان مبلغاً زهيداً، وحينما يتم حناء العروس يمنع عليها أن تنام في اليوم التالي في بيت والدها، بل تذهب إلى بيت زوجها”.
وتتابع”حاليا تغيرت العادات، إذ تظل العروس في بيت والدها يومين أو ثلاثة أيام بعد الحنة، وفئة قليلة تلتزم بعادة النقوط، وإذا توقفت الموسيقى فجأة، يسود الصمت، لأن الحاضرات لا يجدن الغناء التراثي كما السابق”.
يقول محمود ذيب حمد رئيس مجلس قروي عبوين إن البلدة القديمة تضم حوالي 230 مبنى تاريخيًا، بوجود العديد من المعالم البارزة، ومن أهمها قلعة سحويل، التي تُعتبر قلعة عثمانية ذات شكل مربع تقريبًا. وأشار إلى أن المجلس يهدف إلى الحفاظ على هذا التراث الفلسطيني وإلى تعزيز فهم حياة الناس لتقاليد متوارثة منذ فترة العهد العثماني.
وأكد أن المجلس يعمل على تحسين الظروف المعيشية في البلدة القديمة وإنقاذ المناطق المهملة من التدهور، بالإضافة إلى تعزيز الروابط بينها وبين المناطق الحديثة في المدينة.
ونوه إلى أن هذه الجهود تتضمن وضع خطة استراتيجية شاملة لجذب السكان إلى البلدة القديمة من خلال إطلاق أنشطة ترفيهية للأطفال، وإنشاء جمعيات نسائية في المنازل القديمة، وتصوير مسلسلات تاريخية، إضافة إلى مبادرات أخرى تهدف إلى تعزيز الحياة الاجتماعية والثقافية وجذب الانتباه إلى تاريخ البلدة.
أهالي عبوين مازالوا ينظرون إلى هذه البلدة القديمة بأنها تاريخ يجب الحفاظ عليه، رغم أن الحياة المعاصرة غيرت كثيراً من عاداتهم وتقاليدهم.
وتظل البلدة واجهة سياحية يمكن الاعتناء بها، وتحويل أنظار السياح إليها، فهي محط جذب للزوار، ويمكن للأماكن الأثرية فيها أن تروي قصصًا تاريخية تعكس رحلة هذه البلدة عبر العصور، وتثبت هوية الفلسطيني وتاريخه المتجذر في هذه الأرض.