رام الله-المحرر-ميرال مرقة – تعد التجارة الإلكترونية في فلسطين مجالًا متطورًا يشهد نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة للتطور التكنولوجي وانتشار استخدام الإنترنت. تعتبر هذه الظاهرة تحديًا وفرصة في آن واحد، حيث تفرض التحديات الفنية والقانونية والاقتصادية واقعًا يتطلب تدخلا فعّالًا من السلطات المعنية لضبط القطاع وتوفير بيئة تجارية مواتية للنمو المستدام.
في ظل اكتساح التجارة الإلكترونية للسوق الفلسطيني، تبنى مسؤولون في وزارتي الاقتصاد الوطني ووزارة الاتصالات والاتصال الرقمي مشروعًا مشتركًا لتنظيم هذا القطاع الحيوي. حيث أشار رشاد يوسف، مدير قسم السياسات و التخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني، إلى أن ملف التجارة الإلكترونية يشكل أحد الأولويات، وقد قام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بتنفيذ دراسة متخصصة في عام 2020 لتقييم واقع ومشاكل هذا القطاع في فلسطين، مقدمًا مجموعة من التوصيات.
ومع بداية عام 2021، شكل فريقان من الوزارتين لتقييم واقع التجارة الإلكترونية في البلاد. وفي عام 2022، صدر قرار من مجلس الوزراء بتكليف الوزارتين بوضع مشروع قانون للتجارة الإلكترونية، وتم رفع أول قراءة للمجلس في عام 2023، ومن المتوقع صدور القرار في هذا العام.
وأكد رشاد أن دور وزارة الاقتصاد يتمحور في تنظيم التجارة الإلكترونية وحماية المستهلك، مع إنشاء إدارة خاصة لحماية المستهلك التي تتابع بشكل مباشر الشكاوى التي تصل على التجارة الإلكترونية.
مع تزايد الاعتماد على التجارة الإلكترونية، تواجه الإدارة تحديات جديدة في حل الشكاوى، خاصةً مع الانتشار الواسع للمتاجر الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتوجهت نسبة كبيرة من الشكاوى للشرطة والنيابة العامة، وهو ما يبرز أهمية تنظيم هذا القطاع بشكل فعّال.
كما كشف التقرير عن وجود نسبة كبيرة من المحال التجارية غير المسجلة في وزارة الاقتصاد والتي لا تدفع الضرائب. وأوضح رشاد أن أحد أهم أهداف القانون المزمع تنفيذه هو حماية حقوق الدولة والمستهلك والتجار العاملين في فلسطين.
في هذا السياق، يشير الدكتور ذياب جرار، خبير التسويق الرقمي، إلى أن حجم التجارة الإلكترونية العالمية وصل إلى 30 تريليون دولار أمريكي في عام 2021، وفقًا لإحصائيات مدروسة. يشير جرار إلى أن نسبة نمو هذا القطاع تزداد بشكل قطعي، نظرًا للتوجه المتزايد نحو التسويق الرقمي على الصعيد الدولي، الذي يتطور بشكل سريع ومتنوع.
ويضيف جرار أن التسويق الرقمي يفتح أبواب الفرص لفهم حاجات ورغبات المستهلكين بشكل أفضل عبر الإنترنت. حيث يؤكد أن التواجد على منصات التواصل الاجتماعي يسهم في تحليل سلوك المستهلك والتعرف على العوامل المؤثرة في قرارات الشراء، من عوامل اقتصادية ونفسية وثقافية واجتماعية وشخصية.
ويعتبر جرار أن التسويق الرقمي يلعب دورًا مهمًا في حل المشكلات التسويقية المختلفة، ويوفر إجابات للأسئلة الهامة مثل: ما هو سبب انخفاض المبيعات في منطقة معينة؟، ما هي أسباب اهتمام فئة معينة بسلعة معينة؟، ولماذا تتراجع نسبة الأرباح في فترة زمنية محددة؟ ويبرز أن التحليل الدقيق واستراتيجيات التسويق الرقمي تلعب دورًا أساسيًا في التعامل مع هذه التحديات وتحقيق النجاح في السوق الرقمي.
من جهته، أوضح ربيع كمال، صاحب محلات H.K، أن تجربته مع التسويق الرقمي كانت إيجابية وأسهمت في زيادة نسبة المبيعات بشكل ملحوظ. فقد اقتصرت استراتيجيته في التسويق الإلكتروني على استخدام فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي وتنزيل العروض والخصومات. تجسيدًا للقصص الناجحة في التجارة الإلكترونية، أكد كمال على أهمية التواجد الرقمي واستخدام الأدوات المتاحة عبر الإنترنت لتعزيز العلامة التجارية وزيادة الإيرادات.
أدهم شيوخي، صاحب محلات Shein أوضح أن تجربته في مجال التجارة الإلكترونية كانت استثنائية بشكل خاص. بدأت رحلته في ظل جائحة كورونا بالبحث عن منتج للبيع، ومع مرور الوقت، تطورت تجارته لتشمل استيراد منتجات متنوعة ومتعددة. قرر فيما بعد فتح محل تجاري، دمجًا بين التجارة الإلكترونية والتجزئة، حيث أتاح الفرصة للزبائن للطلب من مواقع إلكترونية مختلفة بكل ثقة بجانب بيع المنتجات بالتجزئة.
يعتبر هذا النموذج تجربة فريدة في فلسطين، خاصة في ظل التحول الكبير نحو التجارة الإلكترونية وضعف الثقة بين المستهلك والمواقع الإلكترونية. أسس أدهم ثقةً قوية مع المستهلكين الفلسطينيين من خلال توفير تجربة شراء إلكترونية سهلة وموثوقة.
وأشار إلى أن توجه المستهلك الفلسطيني نحو التسوق الإلكتروني يعود إلى رغبته في توفير الوقت والجهد، وعلى استعداد لدفع مبالغ أعلى من أجل الراحة والثقة. بالإضافة إلى ذلك، تحديدًا وجود محل فعلي تابع لجهة موثوقة واستقبال أي بلاغات أو مشكلات محتملة ساهم في بناء الثقة مع المستهلك، وفي نجاحه في مجال التجارة الإلكترونية رغم التحديات مثل النصب والاحتيال التي يواجهها المستهلكون.
تجارب جسدت قصص نجاح في التجارة الإلكترونية، وأثبتت قدرة على الإصرار والتكيف مع التحولات السريعة في السوق لتحقيق النجاح. ومع ذلك يظل هذا القطاع بحاجة إلى مزيد من المعالجات خاصة القانونية للتغلب على بعض المشاكل الفنية والاقتصادية.