*انخفاض بنسبة 46% في الطلب على منتجات الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة
*تقرير:يمكن الاستغناء عن ثلث الواردات الإسرائيلية بقيمة 1.6 مليار دولار ما يعني خلق 100 ألف فرصة عمل محلية جديدة
رام الله- المحرر – بغداد ياسر كراجة-في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة والضفة منذ أكثر من عام، ترتفع أصوات شعبية داعيةً إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية كوسيلة للتعبير عن رفضها للاحتلال وجرائمه.
تأتي هذه الدعوات ضمن جهد شعبي فلسطيني لمواجهة الدعم الاقتصادي الذي تحصل عليه إسرائيل من خلال هذه الشركات، مع أمل في وقف الإبادة الجماعية التي تشهدها غزة.
من خلال تجارب مواطنين، يبدو أن هناك توجهًا جادًا لدعم حملة المقاطعة. تتحدث مي غسان (32) عاماً، التي تلتزم بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، عن محاولتها لتوفير بدائل محلية رغم الصعوبات، خاصة في القطاع الصحي، حيث تفتقر السوق للعديد من الأدوية البديلة.
وعي مجتمعي
ترى مي أن المقاطعة تشكل خطوة أساسية لبناء وعي مجتمعي يدعم المنتجات المحلية، ما يعزز فرص بناء جيل قادر على تحدي الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن مقاطعة السلع الأساسية، كالبيض والخضراوات والمستلزمات الزراعية، تمثل بداية لتحويل الاقتصاد الفلسطيني نحو الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات من الجانب الإسرائيلي.
وتروي الطفلة شام مهند (10) أعوام أنها تتعرف على المنتجات الإسرائيلية من خلال الأرقام المدوَّنة على عبواتها، وتشجع زملاءها في المدرسة على تجنب شراء هذه المنتجات، يعكس مدى الوعي الذي يتنامى بين فئة الأطفال.
نمو في المنتجات المحلية بنسبة 43%
تشير مؤسسة الدراسات الفلسطينية إلى أن عام 2022 شهد تحسنًا في حصة المنتجات المحلية بالسوق الفلسطينية لتصل إلى 43%. لكن، وبفضل حملة المقاطعة المتصاعدة عام 2023، زادت هذه الحصة بنسبة إضافية بلغت 2%، ما أدى إلى تحسن واضح في فرص التشغيل وتعزيز الاقتصاد المحلي.
شهدت بعض القطاعات تراجعًا كبيرًا في مبيعات المنتجات الإسرائيلية، إذ انخفضت مبيعات العصائر والمشروبات بنسبة 82%، وتراجعت مبيعات الحليب ومنتجات الألبان بنسبة 60%. في المقابل، سجلت صناعات فلسطينية مثل المشروبات ومواد التنظيف والكيماويات زيادة في الإنتاج بنسب تراوحت بين 200% و300%، وهو ما يعكس إمكانية تطوير الصناعات المحلية إذا ما استمر دعم السوق لها.
تحديات أمام المقاطعة
ورغم هذا التقدم، تواجه حملة المقاطعة صعوبات متعددة، فالاقتصاد الوطني يعتمد إلى حد كبير على البضائع الإسرائيلية في بعض القطاعات، ما يجعل من الصعب تحقيق اكتفاء كامل من المنتجات المحلية، لكن الوعي الوطني المتزايد جعل المقاطعة إحدى الأدوات النضالية المهمة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي، وهو ما دفع إلى توجيه مزيد من الاستثمارات نحو تطوير المنتجات المحلية.
وتنوه سيرين خالد إحدى أعضاء حملة المقاطعة (BDS)إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي حول مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
وتقول”تقوم الحملة بتنظيم ندوات مدرسية، إضافة إلى جولات ميدانية في المحال التجارية لوضع ملصقات تشير إلى المنتجات الإسرائيلية وتنبه المستهلكين إلى ضرورة تجنبها”، مبينة أن هذه الأنشطة التوعوية ساهمت في تعزيز الوعي المجتمعي، وجعلت من المقاطعة استراتيجية فعالة تستهدف جميع الفئات العمرية، كما لاحظت تفاعل الأطفال والشباب مع هذه المبادرات، ما يعكس إمكانية نجاحها على المدى البعيد.
تنعكس المقاطعة ايجاباً على التجارة المحلية، ويقول هيثم منصور، صاحب محل تجاري، “هناك زيادة في الطلب على المنتجات الوطنية، لا سيما من قبل الأطفال الذين يتشجعون لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية”، منوهاً إلى أنه رغم هذا التوجه، فإن المحل يواجه تحديات بسبب قلة البدائل المحلية فيما يتعلق بالجودة والأسعار المناسبة، ما يدفع البعض إلى التراجع واختيار المنتجات الإسرائيلية مرة أخرى.
ويشير إلى أهمية تطوير وتحسين الإنتاج المحلي ليصبح قادرًا على تلبية احتياجات المستهلكين بأسعار منافسة وجودة ملائمة.
استراتيجية تنموية
توضح هزار أبو بكر، مديرة مديرية الاقتصاد في رام الله، أن مقاطعة البضائع الإسرائيلية ليست مجرد إجراء اقتصادي، بل هي جزء من استراتيجية تنموية تسهم في تعزيز الإنتاج المحلي، مبينة أن الوزارة تدعم هذا التوجه من خلال منح المنتجات الوطنية الأولوية في المناقصات الحكومية بنسبة تصل إلى 15%.
هذه السياسات، وفقًا لأبي بكر، أضرت بالاقتصاد الإسرائيلي، حيث سجلت السوق الفلسطينية انخفاضًا بنسبة 46% في الطلب على المنتجات الإسرائيلية منذ بدء العدوان على غزة.
فرصة لخلق 100 ألف فرصة عمل
يفيد تقرير صادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية بإمكانية الاستغناء عن ما يعادل ثلث الواردات الإسرائيلية، وهو ما يمثل نحو 1.6 مليار دولار، وتحويل هذا المبلغ نحو الاقتصاد المحلي سيسهم في خلق أكثر من 100 ألف فرصة عمل جديدة، بما يعادل 10% من القوى العاملة الفلسطينية.
تشمل المنتجات التي يمكن استبدالها محليًا حسب التقرير العديد من السلع، من المياه المعدنية والمشروبات الغازية، إلى المنتجات الزراعية والألبان، وكذلك المواد الأساسية كالإسمنت والقمح، مما يجعل من الممكن تحقيق تقدم نحو اقتصاد معتمد على الإنتاج المحلي ويحد من الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين.
ويوضح التقرير أن حصة المنتجات المحلية تزداد عامًا بعد آخر، وقد أدى تصاعد المقاطعة خلال العام الماضي إلى تقليل الاعتماد على المنتجات الإسرائيلية في قطاعات مهمة، مثل العصائر والحليب والألبان. ومن المهم الإشارة إلى أنه كلما زاد دعم المنتجات الفلسطينية، تقلص التأثير الاقتصادي الإسرائيلي، ما يعزز من قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة الضغوط الاقتصادية.
وقد تكون المقاطعة نواةً لبناء اقتصاد أكثر استدامة ومرونة إذا ما تواصلت جهود تطوير القطاع الصناعي وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ليست حملات عابرة
تعتقد سيرين خالد احدى أعضاء حملة المقاطعة في رام الله أنه أصبح واضحًا أن المقاطعة لم تعد مجرد حملة عابرة، بل هي ركيزة أساسية تسهم في تعزيز استقلال فلسطين الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تحقيق النجاح المستدام لهذه الحملة يتطلب دعمًا أكبر من المجتمع، وتوجيه الاستثمارات نحو تعزيز الصناعة المحلية وجعلها أكثر قدرة على تلبية احتياجات المستهلكين. بفضل هذه الجهود، يمكن أن تصبح المقاطعة استراتيجية اقتصادية فعالة تعزز من صمود الاقتصاد الفلسطيني، وتخلق فرصًا جديدة، لتسعف الاقتصاد الوطني الذي يعاني من حالة انكماش كبيرة.