*الظروف الاقتصادية الصعبة تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى أدوات لطلب المساعدات خارج “الإطار الرسمي”
*الشرطة: لا نستطيع التعامل مع هذه القضايا إلا بعد تقديم شكوى رسمية
*الحصيلة الأعلى مقارنة مع سنوات سابقة..نحو (900) قضية تحايل إلكتروني في الشهور العشرة الأولى من العام الجاري
*مختصة: القواعد القانونية السارية تعاني من ثغرات ولا تمنع أحداً من تقديم طلب مساعدة
تحقيق: ميس الشافعي وسارة بهلول وسلسبيل عبد ربه وباسل ارشيد
إشراف: أ. أيهم أبوغوش
“عنا عيلة مستورة فيها أكثر من مريض بنمشي باحتياجاتهم بشكل دوري، للأسف مع الظروف زادت أمورهم سوءاً، فتراكم عليهم ايجار البيت وتراكمت الديون”، بهذه الكلمات تنشر المواطنة (ب.ز) طلباً عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” موجهة نداء لمن يرغب بتقديم المساعدة لتلك العائلة.
وتمضي في منشورها قائلة” ايجار الشهر الواحد (1100) شيقل، وعندهم (5) شهور متراكمة، فبدنا نحاول نخفف منهم لحتى ما يصفوا مضطرين يتركوا البيت لأنه المؤجر مصمم بهالفترة إنه يبلشوا سداد”. وتوضح أن حجم الديون المتراكمة على هذه العائلة وصلت إلى نحو (2000) شيقل، مطالبة المواطنين بالمساهمة للتخفيف من حجم هذا الدين”.
وأشارت إلى أن الأم كانت تشتغل في تنظيف البيوت، لكنها اضطرت إلى ترك عملها بسبب مرضها”، منهية المنشور داعية متابعيها إلى المساهمة ولو بالقليل من خلال التواصل معها.
وفي منشور آخر، كتبت على صفحتها” في طفلين بدنا نأمنهم بشرائح سكري، وفي حجة مقعدة بدنا إلها فوط حجم كبير، اللي بقدر يأمن أي منهم يتواصل معي، والأجر لي ولكم”.
وتمتلئ صفحة (ب.ز) بعشرات المناشدات التي تدعو من خلالها متابعيها على صفحة “الفيسبوك” بضرورة التبرع لحالات اجتماعية مختلفة توجهت إليها بشكل فردي لطلب المساعدات، فتتبنى (ب.ز) طلباتهم وتقوم بنشرها على صفحتها الخاصة، ثم تقوم بعملية تشبيك بين الراغب بالتبرع وبين الحالة الاجتماعية المستفيدة.
(ب.ز) نفسها تنتقد في منشور لها سلوك بعض الذين يتواصلون معها، مثل الطلب منها اسم الجهة المتبرعة، أو قيام بعض الشبان بطلب عنوان المطلقة أو الأرملة التي طلبت المساعدة بهدف التواصل معها مباشرة، أو التبرع بسلع قارب تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، أو قيام بعض المتبرعين بطلب التقاط صور للجهة التي تبرعوا لها، أو توجيه شكر خاص لهم، أو طلب تقديم مساعدات مالية من قبل البعض لتسديد أقساط مدرسة خاصة، لافتة إلى أن من حق المتبرعين الحصول على وصولات مالية تثبت أين ذهبت الأموال التي تبرعوا بها، لكن ليس من حقهم القيام بسلوكيات تهين الأشخاص مثل التصورمعهم أو توجيه شكر لهم من باب المباهاة الاجتماعية. كما انتقدت بعض الفئات التي تطلب الحصول على مساعدة دون وجه حق.
تواصل فريق العمل مع (ب.ز) للتحقق من أسباب نشر تلك المناشدات على صفحتها الشخصية وآلية تقديم المساعدات وضمان الشفافية فيها.
تقول (ب.ز) إن هذه العملية تأتي ضمن مبادرة فردية قامت عليها شخصياً منذ عدة سنوات واطلقت عليها اسما دائما، وبدأت تلك المبادرة لتمكين عدد من الطالبات الجامعيات المحتاجات من توفير أقساطهن الجامعية بعد تعذر أهاليهم من محدودي الدخل على دفعها، ثم امتدت المبادرة بعد نجاحها لتشمل مساعدات اجتماعية أخرى مثل تسديد “أجرة بيوت” عن فئات تعاني من ضيق الحال، أو شراء حقائب مدرسية وقرطاسية لطلبة فقراء، أو مساعدة أشخاص غير قادرين على شراء أدوية أو توفير علاج، أو حتى توفير حزم غذائية لأسر فقيرة.
وحول الشفافية التي يمكن أن يتم توفيرها خاصة أن تلك المبادرة ليست جهة مرخصة قانونياً تقول (ب.ز)” نحن لسنا جهة رسمية نمنح وصولات مالية فنحن لانتلقى أموال مباشرة، ولكن ما نقوم به هو عملية تشبيك بين فئات مجتمعية مهمشة وتمر بظروف صعبة ضمن سياقات محددة مثل عجز طالبات عن دفع أقساطهن الجامعية او توفير أدوية لأشخاص لا يملكون ثمن شرائها، أو أجرة بيوت لأسر فقيرة، من خلال التواصل مع ميسوري الحال وصاحبة أياد بيضاء في تقديم أعمال الخير، بحيث يقوم هؤلاء المتبرعون بتسديد خدمة أو شراء سلعة للفئة المهمشة مقابل الحصول على وصل مالي رسمي من الجهة التي قدمت الخدمة أو باعت السلعة، مثل توفير وصل حول تسديد القسط الجامعي من الجامعة نفسها، أو وصل مالي عن تسديد ثمن الدواء.
وحول سبب عدم توجه الفئات الاجتماعية إلى طلب تقديم المساعدات عبر المبادرات الفردية بدلا من التوجه إلى الجهات الرسمية، تقول (ب.ن): هناك عدة أسباب تحول دون تواصلهم مع الجهات الرسمية، أولها الإجراءات المعقدة للجهات الرسمية للحصول على مساعدات اجتماعية، وثانيها محدودية المساعدات التي تقدمها الجهات الرسمية للفئات الفقيرة مع حجم الاحتياج، وثالثها رغبة تلك الأسر في الحفاظ على كرامتها وعدم الإفصاح عن هويتها إلا لأشخاص يثقون بهم، ورابعها هي الثقة والمصداقية التي تتمتع بها بعض المبادرات الفردية التي أثبت أنها لا تطلب المساعدات إلا لفئات تحتاج فعلاً للمساعدة، وطرق تأمين تلك المساعدات تتمتع بالثقة والشفافية.
طوفان من “التسول الإلكتروني”
هذه ليس الحالة الوحيدة فهناك العديد من المبادرات الفردية والجماعية لمساعدة العائلات المتعففة وطلبات مساعدات لاتعد ولا تحصى تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، خلال بحثنا التقينا بالناشطة الاجتماعية (م.ح) التي أكدت أنه يصلها اسبوعياً عشرات طلبات المساعدات المتنوعة ما بين طلب مساعدات بأقساط الجامعات، وتوفير ثمن أدوية، وتوفير سلات غذائية ومستلزمات أطفال حديثي الولادة وطلبات المساعدة لسد الديون على المتعثرين.
وعندما سألناها عن آلية التعامل مع الطلبات قالت بأنها تقوم البداية بالتأكد من صدق الحالات التي تصلها بعدة طرق ومنها السؤال في الجمعيات والمراكز المختصة بمساعدة العائلات المتعففة ومن ثم السوائل عن كل حالة في محيط سكنها، وحينما يتم التأكد من صدق لحالة تلجأ لجمعيات محلية وعدد من المتبرعين الدائمين الذين تتواصل معهم بشكل مستمر لتأمين الاحتياجات.
وأضافت أنها لا تحاول أن تطلب أي مساعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث تعتبر أن الطريقة التي تقدم من خلالها المساعدات أكثر مصداقية، لافتة إلى أن المساعدات التي تقدمها لا تقتصر على المناشدات التي تصلها، حيث يوجد عندها حالات تؤمن احتياجاتها شهرياً، وخلال شهر رمضان وفترات الأعياد يتوسع نشاطها حيث تقوم بتأمين طرود غذائية لحوالي(120) عائلة وملابس لـ(80 ) طفلاً.
وعند سؤالها عن سبب توجه الفئات المحتاجة لطلب المساعدة من خلالها أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أوضحت بأن غالبية الفئات التي تتواصل معها غير مسجلة في قوائم الشؤون الاجتماعية أو الجمعيات التي تقدم المساعدات، بالإضافة إلى أن أغلب هذه العائلات هي من أصحاب الدخل المحدود جداً، وقد لا تشملهم مساعدات الجمعيات المختصة.
مواطنون بين مؤيد ومعارض
طلب تقديم المساعدات لإعانة حالات اجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاقت رفضاً من قبل مواطنين باعتبارها عملية “تسول” لا تتوفر فيها عناصر الشفافية والثقة، بل أن بعضهم تعرض لعمليات احتيال بعد لجوئهم إلى هذه الوسائل، بينما رأى فيها آخرون وسيلة لعمل الخير خاصة إذا كان القائمون عليها من ذوي الثقة.
ويعتقد بعض المواطنين أنهم لا يستطيعون الحكم إذا كان الطرف الذي يطلب المساعدة بحاجة فعلا للمساعدة أم لا.
تقول المواطنة مي غزال إنها تفرق بين الجروبات الخاصة التي يكون القائمون عليها أشخاص معروفون من ذوي الثقة ون الصفحات العامة أو الخاصة المجهولة، مشيرة إلى أنها تعاملت مع جروب خاص يطلب مساعدات وهي تعاملت معهم لأنها تعرف مصداقيتهم، بينما لا تثق بالحسابات العامة أو الشخصية غير المعروفة فهي تخشى أن تكون حسابات مزيفة، ولذلك لا تفضل التعامل معهم خشية من أن تكون وسائل للنصب.
أما الشابة ريا عبد ربه فترى بأن هذه الوسائل عمليات تسول وبعضها يهدف إلى النصب، قائلة إن زميلة لها قدمت أموالاً لفتاة طلبت مساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتبين لها لاحقاً بأنها عملية احتيال. وتضيف” الذين يطلبون مساعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أغلبهم للأسف كذابون”.
وتتابع”طلب المساعدة عبر الإنترنت فكرة خاطئة بالمجمل، فلا يمكن التأكد من مصداقية هذه الحالات من عدمها”.
من جهته، يقول الشاب رايي مضمون أن الذين يطلبون مساعدة من هذا النوع غالباً ليسوا صادقين، مشيرة إلى أنه جرب هذا الأمر سابقاً، وتبين له عدم المصداقية.
أما محمد مسيمي فهو يؤيد تقديم المساعدة لطالبها حتى لو كانت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بعد تفحص وضمن معايير تضمن الشفافية والصدق.
ماذا يقول القانون؟
يرى المختصون أن مثل هذه القضايا المستحدثة لا تعالجها القواعد القانونية في فلسطين، ويوجد قصور في البنود القانونية التي تعالج هذه الأمور، فلا تتضمن النصوص القانونية في قانون العقوبات الساري لسنة 1960 بنداً واضحاً بشأن عمليات التسول الإلكتروني، مؤكدين أن القوانين السارية لا تمنع طلب الحصول على مساعدة سواء فردية إذا كانت الحالة بحاجة إلى ذلك بالفعل أو عن طريق مؤسسة خيرية مرخصة، لكن بشرط عدم استخدام تلك الأدوات بطرق غير مشروعة.
وتقول رقية حسين أساذة القانون في جامعة النجاح الوطنية في نابلس إن” هذه قضايا مستحدثة ولا يعالجها قانون العقوبات الساري، وحتى قانون الجرائم الالكترونية المستحدث لا ينص على عدم جواز طلب الحصول على مساعدة لمحتاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي سواء كان الطلب فردياً أم جرى عبر جهة معتمدة ومرخصة لهذه الأغراض، لكن يمكن أن يكون هناك جرماً قانونياً في حالة ارتكاب أحد الأفعال التي يعاقب عليها القانون مثل إثبات أن ذلك كان تسولاً أو كسباً غير مشروع، أو عملية احتيال ونصب، أو تم استخدام الأطفال لأغراض التسول، لكن بكل الأحوال يجب أن تكون الدلائل متوفرة بشكل كامل لإثبات أحد هذه الجرائم التي يعاقب عليها القانون”.
وتضيف”إذا كان طلب المساعدة حقيقياً ولم يكن هناك عملاً غير مشروع ضمن الجرائم الواضحة في قانون العقوبات فإنه من حيث المبدأ لا يوجد إطلاقاً ما يخالف القانون، فطالما لم يكن العمل دخل ضمن نطاق الخداع والتضليل والحصول على الأموال بطرق غير مشروعة، أو تم ادخال الأطفال لأغراض التسول واستغلالهم وفق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والطفل فإن الأمر لا يعد مخالفة قانونية، اما إذا ثبت ارتكاب أحد المخالفات السابقة فإنه يمكن اسقاط بنود قانونية أخرى لتجريم العمل، إذا ثبت بالدليل أنه جرم واضح ضمن الأعمال غير المشروعة”.
ظاهرة تزداد في ظل تدهور الحالة الاقتصادية
ويقول د. اياد اشتية أستاذ الإرشاد النفسي في جامعة القدس المفتوحة إن ازدياد ظاهرة الفقر والبطالة في مجتمعنا الفلسطيني خاصة في ظل الحرب العدوانية على شعبنا، تجعل من ظاهرة طلب المساعدة عبر وسائل مختلفة قائمة وحاضرة.
ويضيف اشتية” تظل الوسائل الإلكترونية لطلب المساعدة أمر غير محبب لدى الكثيرين كونها لا توفر المصداقية بشكل كبير، لكن إذا كان الأمر ضمن مجموعات محددة من جهات موثوقة فهذا يعطي مزيدا من المصداقية”، مشيراً إلى أنه لا يمكن الحكم المطلق على كل الظاهرة، لكن كل حالة تختلف عن نظيرتها، فقد يكون بعضها صادقا، وقد يكون بعضها وسيلة للاحتيال.
ونصح الفئات الاجتماعية المختلفة إلى التأكد من موثوقية المصادر الذين يطلبون المساعدة عبر الوسائل الإلكترونية او غيرها وضرورة متابعة وصول المساعدات إلى مستحقيها، مفضلاً أن يكون تقديم المساعدات من خلال جمعيات حاصلة على التراخيص من الجهات الرسمية.
طلب المساعدات .. بين الحاجة والاحتيال
وحول رأي الشرطة الفلسطينية بظاهرة التسول الإلكتروني، صرح المقدم سامح اقحش بأن الظاهرة منتشرة في المجتمع بسبب توفر التكنولوجيا التي تتيح للناس فرصة أن يطلبوا وينشروا ما يشاؤون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مبيناً أن الرقابة في هذه الحالات تكون محدودة بسبب عدم السيطرة على المناطق بسهولةن واستخدام التكنولوجيا التي تساعد الأشخاص على النشر بأي وقت وطلب المساعدة سواء كانت مادية أو معنوية أو في بعض الأحيان تكون شخصية أو مساعدات يتم طلبها لأطراف آخرين.
وتابع إن هذا إجراء غير قانوني لأن المساعدات تتم عن طريق جمعيات أو دوائر مختصة بعد قيامهم بعملية مسح اجتماعي على الأشخاص الذين بحاجة للمساعدات، منوهاً إلى أن الشخص الذي يأخذ المساعدة هو صاحب حق ولا يجلس خلف الشاشة.
وأكمل اقحش “تزامناً مع ازدياد الظاهرة بكثرة في الآونة الأخيرة فإننا دائما ننصح المواطنين بالتعامل مع الجهات ذات الاختصاص من خلال عقدنا ندوات ومحاضرات لنشر الوعي بين أفراد المجتمع، وقانونياً لا نستطيع التعامل مع المحتالين إلا عن طريق تقديم شكوى رسمية بهم”.
وأضاف” نتعامل مع الشكاوى حسب الأصول”، منوها إلى أن عملية التدقيق بين عملية النصب والاحتيال وطلب المساعدات صعبة جدا لأن من يمارسوا عمليات النصب يكونوا محترفين جدآ حتى عند التواصل معهم قد يقوموا بالعمل على العاطفة حتى تتأثر.
وأوضح أن هناك احصائيات تظهر حصيلة عمليات الاحتيال التي تعرض لها عدد من أفراد المجتمع وقاموا بتقديم شكاوى رسمية خلال الأعوام الأخيرة، مشيراً إلى أنه في العام الجاري تعاملت الشرطة مع (900) عملية احتيال حتى نهاية شهر تشرين الأول الماضي، وتعد هذه الحصيلة الأعلى مقارنة بالسنوات السابقة.
ولفت إلى أن الازدياد هو مؤشر خطير والسبب الرئيس فيه يعود لاستمرار العدوان على أهلنا في قطاع غزة. وفي نهاية حديثه، شدد اقحش على عدم التعامل إلا مع الجهات الرسمية والموثوفة لتقديم المساعدات.