*الأرقام الصادرة عن جهاز الشرطة خلال السنوات الخمس الأخيرة تظهر وجود قتيل في الضفة كل 8 أيام تقريباً
*60% من الجرائم تقع في مناطق (ج) بسبب غياب تنفيذ القانون و85% من المجني عليهم ذكور و15% إناث
*معظم الجرائم دوافعها عائلية أو نتيجة شجارات أو خلافات مالية أو بدافع الثأر والانتقام
*الشرطة: أكثر من 95% من القضايا نصل إلى الجاني ونقبض عليه
*65% من الجرائم ارتكبت بأسلحة نارية غير مرخصة و”الردح” على وسائل التواصل الاجتماعي أحد دوافع القتل
*تباين في المرجعيات القانونية: حبس للقاتل في الضفة وإعدام في غزة
*حقوقيون يؤكدون: التأخير في إجراءات التقاضي تُضعف الثقة بالعدالة وتعزز ثقافة استيفاء الحقوق بالثأر
*بيروقراطية قضائية..قضايا قتل موثقة استغرقت أكثر من خمس سنوات للبت فيها
* الحلول العشائرية والنفوذ الاجتماعي والولاءات الضيقة وصفة سحرية لتجاوز سلطة القانون
*محام: الجرائم التي يتركبها رجال تقع تحت وطأة الانفعال اللحظي أو رد الفعل العنيف أما النساء فيغلب على جرائمهن التخطيط والابتكار
تحقيق: آلاء عمارنة وأسيل عمر وتهاني ناصر وموسى أيمن دراج
تظهر البيانات المتوفرة لدى الجهات الرسمية عن السنوات الخمس الماضية، أن هناك مواطناً واحداً يقتل في الضفة الغربية كل(8) أيام، ما يشعل الضوء الأحمر حول جرائم القتل، التي تقف وراءها أسباب عائلية ونفسية واقتصادية، لكن وإن تنوعت الدوافع، فإن النتيجة تكون أزهاق روح بشرية. ينطلق الجناة مدفوعين بمشاعر الغضب أو الإحباط ليقعوا في الخطيئة.
يكشف هذا التحقيق الأسباب والدواقع الكامنة وراء جرائم القتل في فلسطين، ويرصد عدداً من القصص المؤثرة والبشعة، فأم تقتل ثلاثة من أطفالها تحت تأثير مرض نفسي، ورجل يقتل مشغله لخلاف مالي، وعائلة تنطلق بدوافع الثأر لتستدّ بثلاثة أرواح، وهذا يقتل قريبة لخلافهما على متر من الأرض!
الشرطة تؤكد أن 95% من جرائم القتل يتم فيها إلقاء القبض على الجاني، لكن مختصين يرون أن إطالة أمد إجراءات التقاضي واللجوء إلى الحلول العشائرية تضعف سلطة القانون وتعزز ثقافة استيفاء الحقوق بالثأر.
أرقام صادمة
تظهر الأرقام الصادرة عن جهاز الشرطة الفلسطيني تسجيل (35) جريمة قتل في الضفة الغربية خلال العام 2019، و(44) جريمة قتل خلال العام 2020، و(41) جريمة قتل خلال العام 2021، و(54) جريمة خلال العام 2022 ، و(50) جريمة قتل في العام2023، و(45) قتيلاً منذ بدء العام الجاري 2024 حتى تشرين الأول الماضي، أي هناك نحو (269) قتيلا خلال نحو (2080) يوماً، بمعنى أن هناك قتيل واحد في الضفة كل 7.8 يوم.
وتُظهر الإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية أن 60% من هذه الجرائم تركزت في المناطق المصنفة (ج)، حيث يضعف تطبيق القانون بسبب صعوبة وصول الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى هذه المناطق، ما يجعل من الصعب ألقاء القبض على الجناة، في ظل سيطرة الاحتلال على تلك المناطق.
يؤكد محامون تحدثوا في هذا التحقيق أن الإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية قد لا تكون دقيقة، حيث يوجد تباين بين الجرائم التي يتم التبليغ عنها رسميًا والجرائم التي يتم حلها عشائريًا، والتي لا يتم تسجيلها بشكل رسمي.
ويشير أحد المحامين إلى أنه تم تسجيل نحو (112) حالة قتل في الضفة خلال العام 2023، بينما الرقم المسجل لدى الجهات الرسمية هو نصف هذا العدد.
لكن الناطق الرسمي باسم جهاز الشرطة الفلسطيني العقيد لؤي ازريقات ينفي ذلك بقوله، إن الإحصائيات الرسمية دقيقة وتتضمن كل جريمة قتل، فحتى الجرائم التي تصل إلى التفاهمات العشائرية لا يجري حلها إلا بعد اعتقال الجهات الرسمية للجاني.
وتبين الأرقام الصادرة عن جهاز الشرطة أن 85% من المجني عليهم من الذكور بينما 15% من الإناث.
جرائم بشعة
تتوفر لدى المباحث العامة العديد من القصص التي تعكس مستوى بشاعة بعض القصص، ومنها جريمة أسرية حصلت منذ سنتين وأكثر، إذ توفي الطفل الأول وبعد فترة توفي الطفل الثاني، وبعدها توفي الطفل الثالث، خلال فترة زمنية قصيرة، فباشرت الشرطة إلى التحري عن الموضوع وليتبين أن أماً قتلت أطفالها الثلاث بسبب حالة نفسية.
جريمة أخرى جرى خلالها إطلاق نار قتلت خلالها سيدة عمداً. انتقل أحد الأطراف من مكان لآخر فقام أهل المغدورة بالذهاب إلى المكان الذي انتقلت إليه عائلة القتيل لتنفذ جرائم قتل راح ضحيتها ثلاثة أشخاص.
هناك جريمة عثر خلالها على شخص مقتول في مخزن، وكان سبب القتل مجهولاً لتباشر الشرطة أعمال البحث والتحري، وكان هناك شخص مشتبه به، وبعد متابعته من قبل الشرطة وتتبع المركبة التي كان يستقلها خلال عملية القتل، تمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليه، وتبين أن سبب القتل أن هذا الشخص كان يعمل لدى المجني عليه، لكنه لم يوفه أجره، فقام بقتله.
بين الحبس والإعدام
يعتبر القانون القتل جريمة خطيرة تمس بحق الإنسان في الحياة، وتصل عقوبتها إلى الحبس لمدة (15) عاماً. ويوضح المحامي محمد ناصر بأن هناك العديد من الظروف والأسباب والوقائع التي من شأنها أن تصل بهذه العقوبة حد الإعدام كأن تقع مع ظرف مشدد مثل “سبق الإصرار والترصد” والقتل مع تعدد المجني عليهم، وقد تصل في بعض الأحيان إلى عدم معاقبة الشخص إن وقعت العقوبة في ظرف الدفاع عن النفس.
ويقول ناصر “بين هذا وذاك هناك الكثير من العوامل التي تحدد عقوبة هذه الجريمة أو تلك، وإن كان الحكم على عقوبة الإعدام من أصعب القرارات التي قد يتخذها نظام قانوني”، لافتاً إلى أن هذه العقوبة تعد عقوبة “لا إنسانية” كون أن النظام القانوني قد يخطئ في تحديد المذنب الحقيقي، لذا فتح القانون الباب لإعادة المحاكمة درءاً لأي خلل، لكن في حال تطبيق عقوبة الإعدام فإننا نكون قد ازهقنا روحاً دون قدرتنا على تجاوز الخطأ.
وينوه إلى أن النظام القانوني العصري لا يهدف بالدرجة الأولى إلى الاقتصاص من المجرم والاشتفاء منه خلافاً للنظم القديمة، بل يهدف إلى إصلاح وتقويم سلوك المجرم، بهدف إعادته فرداً صالحاً للمجتمع الأمر الذي لا يتحقق في عقوبة الإعدام التي تنهي حياة الشخص، ولا توفر فرصة لإصلاحه.
ويضيف”بعض الجرائم تتجاوز كل الأعراف والقيم وتترك المجتمع في حالة من الذهول والصدمة، بحيث لا يعود قادراً على إعادة تقبل الفرد المجرم لفداحة فعله، ولا يرى في هذه الحالة مفراً من ضرورة إنهاء حياته، وحماية المجتمع من شروره”، موضحاً أن بعض المجرمين يكون فقد الأمل من إصلاحهم، وقد تمكن الإجرام من نفوسهم.
ويبين ناصر أن عقوبة الإعدام تخضع للكثير من الاجراءات الاحترازية للحيلولة دون وقوع خطأ مثل: الاستئناف التلقائي للقرار الصادر بالإعدام، وإطالة الفترة بين الحكم وتنفيذ العقوبة بما يكفي للسماح بظهور أدلة جديدة إن إمكن.
ويشير إلى أن هناك فلسفة خاصة بمن ينادي بتطبيق عقوبة الإعدام ، وبين من يرفضها لكنه يعتقد أن العقوبة يجب أن تحقق ردعا وهو ما يحتاجه المجتمع حالياً.
ويقول”الفعل الاجرامي وإن كان فعلاً فردياً، إلا أنه ظاهرة اجتماعية يمكننا ملاحظة ازدياد وتيرتها أو انخفاضها”.
أسباب تزيد من الجريمة
يجمع المختصون إن هناك عدة أسباب تسهم في زيادة جريمة القتل في فلسطين، منها أسباب اقتصادية مثل ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة، ومنها يتعلق بضعف دور المؤسسات التعليمية والاجتماعية في توعية الأفراد وتعليمهم حول كيفية التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية، وعدم تعزيز ثقافة التسامح وحل النزاعات بطرق سلمية.
أحد العوامل الحديثة التي تساهم في زيادة جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني هو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أصبحت هذه الوسائل منبراً رئيسياً لإشعال الفتن وزيادة الاحتقان الاجتماعي. في العديد من الحالات، تحول خلافات شخصية إلى قضايا رأي عام، ما يزيد من تعقيد المواقف ويعزز من مشاعر العداء بين الأفراد. على سبيل المثال، الخلافات البسيطة التي يمكن أن تُحل ضمن نطاق الأسرة أو المجتمع المحلي، تتحول عبر منصات مثل “فيسبوك” إلى محاكمات علنية، ما قد يدفع بعض الأشخاص إلى ارتكاب جرائم قتل كرد فعل على الهجوم العلني على سمعتهم أو كرامتهم. هذا التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي جعل النزاعات تتحول بسرعة إلى أزمات دموية.
تتعدد العوامل التي ساهمت في زيادة معدلات جرائم القتل في السنوات الأخيرة، من أبرزها الأزمة الاقتصادية، وعدم سيطرة الأجهزة الأمنية على كافة المناطق الفلسطينية، والنزاعات الاجتماعية، وتراجع دور المؤسسات المجتمعية. جميع هذه العوامل تداخلت لتخلق بيئة مواتية لزيادة العنف، ما يستدعي ضرورة تبني حلول شاملة لمعالجة هذه الأسباب وتفعيل دور المؤسسات القانونية والتعليمية في المجتمع الفلسطين عموماً اً للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة.
كما يلعب انتشار السلاح غير المرخص دوراً مهماً في تفشي جرائم القتل، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 65% من هذه الجرائم ارتكبت باستخدام أسلحة نارية غير مرخصة. ما يعني أنها تشكل تهديداً كبيراً للأمن المجتمعي، حيث يصعب التحكم في تداولها واستخدامها.
أمراض نفسية واجتماعية
يقول الدكتور عبد الفتاح علوي الإخصائي النفسي”إن الأمراض النفسية يمكن أن تزيد من احتمالية ارتكاب الأفراد للجرائم بشكل مندفع، ولكن ليس هناك مرض نفسي محدد يُعتبر العامل الرئيسي في ذلك”.
ويضيف”هناك أمراض مثل إدمان الكحول أو المخدرات تجعل الشخص أكثر عرضة لاستخدام السلاح أو ارتكاب الجرائم. إضافة إلى ذلك، هناك عوامل اجتماعية تُعد أكثر تأثيرًا من الأمراض النفسية، مثل الفقر، والبطالة، أو العيش وحيدًا، حيث تجعل هذه العوامل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية التي قد تدفعهم إلى ارتكاب جرائم معينة.
وفي البيئات الشرقية، تُعَد العوامل الثقافية مثل موضوع الشرف عاملًا إضافيًا يدفع البعض إلى استخدام العنف لتسوية النزاعات، وذلك بسبب الضغوط الاجتماعية، إضافة إلى ضعف العقوبات القانونية أحيانًا، حيث تُحل القضايا عشائريًا أو يتم التنازل عن الحقوق القانونية، ما يشجع على ارتكاب الجرائم بسبب غياب الردع الفعّال.
لكن الناطق باسم جهاز الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ازريقات أكد لمعدي التحقيق أن الجرائم التي ترتكب في الضفة بدعوى “الدفاع عن الشرف” تضاءلت بشكل كبير إلى درجة تقترب من نهايتها، إذ لا تسجل في العام الواحد سوى حالتين أو ثلاث حالات فقط.
وبين الدكتور علوي أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تضخيم هذا التأثير، حيث تعمل على نشر أخبار الجرائم وصورها وفيديوهاتها بشكل سريع، ما يؤدي إلى خلق حالة من الخوف والاضطراب لدى الجمهور، وخاصة النساء. فهذه الأخبار تصل فجأة إلى الأشخاص وتسبب لهم اضطرابات ما بعد الصدمة، والتي تشمل اضطرابات في النوم وتقلبات في المزاج، ما يؤثر على صحتهم النفسية بشكل عام.
وأكد الدكتور علوي على الدور المهم للعلاج النفسي في تقليل العنف، سواء تجاه الضحايا أو مرتكبي الجرائم. فأحيانًا يكون مرتكب الجريمة يعاني من اضطرابات مثل الاكتئاب أو الإدمان، وبالتالي يمكن للعلاج النفسي مساعدته في إدارة مشاعره وتقليل عدوانيته تجاه الآخرين. ومن جهة أخرى، يساعد العلاج النفسي الضحايا في التغلب على الصدمة النفسية الناتجة عن العنف أو الجريمة التي تعرضوا لها. ويشمل العلاج النفسي تدريبات وأدوات تُمكّن الضحايا من التعافي ومنع تكرار هذه التجربة، بالإضافة إلى مساعدتهم على فهم كيفية التعامل مع مشاعر الخوف والقلق المرتبطة بالتجربة المؤلمة.
ضعف الوازع الديني
ضعف الإيمان والوازع الديني يعد أحد العوامل المهمة التي تؤثر على انتشار الجريمة، حيث إن الدين غالبًا ما يكون مصدرًا للقيم والأخلاق التي تضبط السلوك الإنساني وبضعفها أو غيابها تغيب الرقابة الداخلية، بالتالي يصبح الانسان أكثر عرضة لاتباع اهوائه وشهواته .
ويقول الشيخ حكمت حمايل أمام مسجد إن من من أكثر الأمور التي يمكن أن تلعب دوراً في تصحيح البوصلة نحو الطريق السوي هو الخطاب الديني من خلال ترسيخ قيم التسامح والسلام ويخاطب العقول والقلوب، لكنه يرى أن
أن المفاهيم الدينية حول حرمة القتل لا تُفهم بشكل كافٍ من قبل العامة، لأن بعض البيئات تهيمن عليها العصبيات القبلية.
أين تكثر الجريمة؟
تكثر جرائم القتل في الأماكن الأكثر فقراً واكتظاظاً بالسكان نتيجة العنف السائد وميل الناس في الأوضاع الصعبة للحلول الجذرية كإنهاء حياة الفرد نتيجة تراكم الغضب الفردي والجماعي الكامن في النفوس، فيظهر على صورة فعل جرمي، وكون القتل أيضاً متسلسلاً في هذه الأماكن بفعل النزعة الانتقامية وأخذ الثأر.
يقول المحامي ناصر “يزداد القتل في مجتمعنا تحديداً في المناطق التي يغلب عليها النزعة العائلية والقبلية القوية، حيث يشعر الفرد بحماية العائلة، والوصول للحلول العشائرية التي تنهي قصة قتل لتفتح الباب على مصراعيه لجريمة لاحقاً أكثر وحشية”.
ويضيف”يزداد القتل عادة في كل العالم بين فئة الشباب، وفي مجتمعنا للأسف يشجع على استيفاء الحق باليد، وقتل النساء تحديداً تحت تبريرات من الغضب ورد الفعل، الذي يزرع في العقل الباطن لشاب أن غضبه مبرر ليرتكب جريمة، فيصبح لدينا مجرم ينتظر فرصة”.
دوافع مختلفة للقتل بين الرجل والمرأة
يوضح المحامي ناصر أن الرجل يميل بالعادة لارتكاب نوعين من الجرائم، تكون الأولى تحت وطأة الانفعال اللحظي أو رد الفعل العنيف، فتكون هناك جريمة سريعة ومتكررة، أما النوع الثاني فيطغى عليه تشابك بين جريمة القتل والجرائم الجنسية مثل الاغتصاب، وهتك العرض أما أثناء الفعل نفسه أو بهدف إخفاء الجريمة.
أما النساء فيغلب على جرائمهن التخطيط والابتكار، وهنّ أميل لجرائم الانتقام البارد، ففي العادة يرتكبن جرائم تحفر عميقاً في ذاكرة المجتمع.
ويتابع”لكن لا يسعنا أن ننسى وجود جرائم ترتكبها المرأة لإخفاء تصرفات يرفضها المجتمع، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات خارج إطار الزواج التي قد تدفع المرأة للقتل بهدف إخفاء خطيئة”، مشيراً إلى وجود نساء يرتكبن الجرائم كحل أخير للدفاع عن أنفسهن من تهديدات أو ايذاء جنسي من قبل أحد اقربائها فنرى جريمة ترتكب يكون المجرم فيها ضحية.
وحسب تصنيف جهازالشرطة، فإنه 18% من جرائم القتل المسجلة وقعت بسبب شجارات عامة، و15% بسبب شجارات عائلية، و7% لدوافع الثأر والانتقام، و9% أرتكبت بسبب مشاكل عائلية، و7% لخلافات مالية، و7% لدوافع أمنية(خيانة الوطن)، و7% بدافع الشرف، و7% على خلاف أرض أو حد لأرض، و2% عنف أسري، و4% أعمال شغب، و2% بسبب تعاطي المخدرات، و15ً% صنفت بأنها لأسباب أخرى لم يذكرها التقرير.
تحديات قانونية
ألغيت عقوبة الإعدام في الضفة الغربية منذ عام 2005، بينما لا يزال العمل بها ساريًا في قطاع غزة. هذا التفاوت في تطبيق عقوبة الإعدام بين الضفة وغزة يعكس حالة من عدم التناغم بين النظامين القضائيين في فلسطين، ما يزيد من التباين في كيفية معاقبة مرتكبي جرائم القتل.
يرى المحامي المدافع عن حقوق الإنسان بيرم غزال أن تطبيق القانون في قضايا القتل في فلسطين يواجه عدة تحديات معقدة. أولاها هو تعدد المرجعيات القانونية المطبقة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ففي الضفة الغربية، يُطبق قانون العقوبات الأردني رقم(16) لسنة (1960)، وهو قانون صادر عن السلطات الأردنية، بينما في غزة يُطبق قانون العقوبات رقم(74) لسنة (1936)، الذي يعود إلى فترة الانتداب البريطاني.
ويشير إلى أن هذا التعدد في التشريعات يؤدي إلى تباين في تطبيق العدالة والأحكام والعقوبات المقررة لجرائم القتل بين المنطقتين، رغم وجود نصوص قانونية واضحة لمعاقبة القتل، مثل المواد (328) و(326) من قانون العقوبات الأردني، والمادة (215) من قانون العقوبات في غزة.
ويعتقد غزال أن تعدد المرجعيات القانونية، يجعل العملية القضائية أكثر تعقيدًا، فالتباين في الأطر القانونية تحكم القضايا الجنائية، وهذا يؤثر على وحدة التطبيق القانوني ويسبب إرباكًا في الإجراءات القضائية.
من جهته، يقول المحامي ناصر إن النص القانوني ليس المشكلة بل التطبيق الضعيف، لافتاً إلى أن فترة التوقيف التي تهدف لمساعدة النيابة على التحقيق والاستجواب الأفضل بهدف الوصول للحقيقة وتحديد المذنب تحولت في نظامنا القانوني لعقوبة بذاتها كونها (حسب رأيه) تقتص ليس من مجرم تقرر إجرامه بحكم قضائي بل من متهم، وخصوصاً في جرائم القتل.
ضعف في المنظومة القانونية
يعتقد المختضون أن تطبيق القانون في قضايا القتل يعاني من ضعف في المنظومة القانونية ككل، بما في ذلك ضعف فاعلية الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على المتهمين.
يقول غزال”هذا التأخير في القبض على الجناة يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الأمور في التحقيقات، ما يطيل فترة التقاضي ويعطل إجراءات المحاكمة”.
ويضيف”يواجه النظام القضائي مشاكل تتعلق بضمانات المحاكمة العادلة، ما يؤدي إلى بطء في الإجراءات القضائية وضعف في تنفيذ الأحكام الصادرة، ما قد يزيد من شعور المواطنين بالإفلات من العقاب، ويضعف الثقة في العدالة الجنائية”، منوهاً إلى أن هذا الوضع يعزز ثقافة الاستيفاء بالثأر الشخصي بدلاً من اللجوء إلى المحاكم، مما يؤثر سلبًا على السلم الاجتماعي ويعزز من الظواهر الاجتماعية السلبية.
ويعتبر غزال: “إن غياب سيادة القانون يُعتبر عاملًا رئيسيًا في تزايد جرائم القتل، حيث يؤدي ضعف النظام القانوني وعدم فرض عقوبات فعالة إلى شعور الأفراد بعدم وجود رادع حقيقي. ويُضاف إلى ذلك إمكانية تجاوز العدالة عبر وسائل أخرى، كالحلول العشائرية أو النفوذ الاجتماعي والولاءات الضيقة، مما يسهل على البعض ارتكاب الجرائم دون الخوف من العقاب.
وتوضح الشرطة أن نسبة إلقاء القبض على القاتل تزيد عن 95% أما نسبة إنجاز القضايا وتحويلها للمحكمة تتجاوز 85%.
وتؤكد النياية العامة من جهتها، أن وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيق عمل جهات إنفاذ القانون وكذلك تصنيف المناطق الفلسطينية بين ( أ، ب، ج) وهروب المجرمين الى مناطق خارج السيطرة الفلسطينية، من أبرز التحديات التي تعيق عمل النيابة.
زعزعة الثقة بسلطة القانون
ينوه حقوقيون أن ضعف فعالية الأجهزة الأمنية وقلة الموارد المخصصة للأجهزة الشرطية والقضائية تزيد من صعوبة التعامل مع الجرائم الحديثة أو إثباتها، ما يؤدي إلى تفاقم الظاهرة. كما أن فقدان الثقة العامة بالنظام القضائي يسهم بشكل مباشر في خلق بيئة تسودها الفوضى، إذ يلجأ البعض إلى العنف لتسوية النزاعات، مدفوعين بإمكانية حل القضايا عبر الوسائل العشائرية، مما يُضعف الرادع العام والخاص في المجتمع.
يقول غزال إن ضعف سيادة القانون يؤدي إلى زيادة جرائم القتل بشكل كبير، حيث يشعر المواطن بفقدان الثقة في قدرة الدولة على فرض الأمن وإنفاذ القانون بشكل عادل. في هذه الحالة، تزداد احتمالية لجوء الأفراد إلى استيفاء الحق بأنفسهم، ما يشجع على استخدام العنف، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية كالحروب التي يعيشها المجتمع.
تدخلات في مسار العدالة
يعتقد غزال أن ضعف مساءلة الجناة وتعقيدات النظام القضائي، مثل التأخر في تنفيذ الأحكام أو صعوبة الوصول إلى مسرح الجريمة في المناطق المصنفة (ج)، تُعد مظاهر خطيرة لغياب سيادة القانون. كما أشار إلى تدخل جهات غير رسمية في مسار العدالة، مثلما حدث في قضية عام 2022، حيث استغرق تنفيذ مذكرة توقيف أكثر من ستة أشهر بسبب ضغوطات خارجية وتداخل صلاحيات الأجهزة الأمنية.
وأوضح غزال أن الاحتلال الإسرائيلي يُعد أحد الأسباب البارزة في ضعف سيادة القانون، خاصة مع صعوبة الوصول إلى مناطق محددة، مثل المناطق المصنفة (ج)، إضافة إلى تأثير الانقسام الفلسطيني الذي خلق نظامين إداريين وقضائيين مختلفين، ما أدى إلى زيادة جرائم القتل بشكل ملحوظ.
إن أبرز التحديات التي تواجه الضحايا وأسرهم في الوصول إلى العدالة تتمثل في بطء الإجراءات القضائية، حيث تستمر المحاكمات في كثير من الأحيان لسنوات طويلة قبل الوصول إلى حكم نهائي. ويقول غزال” هناك قضايا قتل موثقة استغرقت أكثر من خمس سنوات للبت فيها، ما يعكس تعقيدات البيروقراطية القضائية”.
الحل العشائري ينتصر
التدخلات العشائرية ومحاولات الصلح الخارجي تُشكّل ضغطًا كبيرًا على عائلات الضحايا للتنازل عن حقوقهم، حسبما يقوله غزال. واصفا ذلك بقوله” هو تحدٍ شائع يواجه الضحايا في السعي لتحقيق العدالة”.
ويضيف”ضعف الحماية المقدمة للشهود وأسر الضحايا يزيد من صعوبة الأمر، حيث يواجه الشهود وأفراد العائلة تهديدات وابتزازات قد تثنيهم عن تقديم الشهادات اللازمة لإثبات الجريمة”.
وأوضح غزال أن هناك نقصًا في الموارد اللازمة لدعم أسر الضحايا، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية، إضافة إلى الأدوات القانونية التي قد تساعدهم في مسار القضايا. وأكد أن الضغوط الاجتماعية والعشائرية تمثل تحديًا كبيرًا، إذ تدفع البعض إلى التنازل عن حقوقهم الشخصية مقابل التوافق المجتمعي.
وأشار إلى ضعف التحقيقات الجنائية في بعض الحالات، بما في ذلك نقص الإمكانيات في مجالات الطب الشرعي والأدلة الجنائية، ما يجعل إثبات الجريمة والوصول إلى حكم نهائي أكثر تعقيدًا.
وأكد غزال أن هذا النهج يؤدي إلى تخفيف العقوبات بشكل كبير، حيث يمكن أن تخفض عقوبة القتل من(15) سنة إلى خمس سنوات فقط بسبب الصلح العشائري، حتى في حالات القتل العمد أو القصد. واعتبر أن هذا يعيق تحقيق العدالة القانونية ويُضيع حق المجني عليهم، سواء كانوا رجالًا أم نساء”.
ويقول إن الصلح العشائري يلعب دورًا مزدوجًا في المجتمع الفلسطيني، حيث يمكن أن يساهم في بعض الأحيان في تخفيف حدة التوتر المجتمعي، وتقليل احتمالات الانتقام، وتهدئة النفوس، ما يمنع النزاعات من التفاقم. ومع ذلك، فإنه يتعارض بشكل واضح مع مبدأ العدالة الجنائية والقانونية، خاصة في قضايا القتل.
وأوضح غزال أن الصلح العشائري كثيرًا ما يؤدي إلى ضغط على عائلات الضحايا للقبول بتسويات عشائرية، مثل الدية، أو التنازل عن الحقوق القانونية لصالح القضاء العشائري. هذا الأمر يُعد التفافًا على القانون ويؤدي إلى تقويض سيادة القانون. كما أن اللجوء إلى الصلح العشائري يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، حيث يعتقد الجناة أن بإمكانهم تجنب العقوبات القانونية من خلال هذه الترتيبات.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة تُبرز بشكل كبير في قضايا قتل النساء المعنفات، حيث تتعرض عائلات الضحايا لضغوط خوفًا على سمعة العائلة، ما يؤدي إلى التستر على الجرائم وغياب حقوق المجني عليهن. وأضاف أن الصلح العشائري، رغم أهميته في النسيج الاجتماعي الفلسطيني، يمثل تحديًا حقيقيًا للعدالة القانونية، حيث يتم في كثير من الأحيان إسقاط الحق الشخصي للضحايا مقابل تعويضات مادية أو تسويات عشائرية.
بدوره، وصف المحامي ناصر استمرار الحلول العشائرية لجرائم القتل بأنه يمس بالقضاء ويؤدي إلى عدم الاحتكام إلى النيابة.
كيف تباشر النيابة التحقيق؟
تتخذ النيابة العامة عدة إجراءات للمباشرة في التحقيق بقضايا القتل:
-التوجه إلى مسرح الجريمة: يقوم وكيل النيابة العامة بتوجه الى مسرح الجريمة وذلك استناداً إلى ما ورد في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطينية رقم 3 لسنة 2001 وخاصة المادة(27) والتي نصت (يجب على مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فوراً إلى مكان الجريمة، ويعاين الآثار المادية لها ويتحفظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، ويسمع أقوال من كان حاضراً أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الجريمة ومرتكبيها، ويجب عليه أن يخطر النيابة العامة فوراً بانتقاله، ويجب على عضو النيابة المختص بمجرد إخطاره بجناية متلبس بها الانتقال فوراً إلى مكان الجريمة.) لغايات البدء بإجراءات التحقيق كونها صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقيق.
-حصر مسرح الجريمة ومنع أي شخص من الدخول إليه، حيث يقوم وكيل النيابة العامة بتحديد الأشخاص المتواجدين في مسرح الجريمة، وإجراء الكشف والمعانية عليه وإعداد محضر بذلك.
-الكشف الظاهري على الجثة برفقة الطبيب الشرعي .
-تكليف الطبيب الشرعي : يصدر وكيل النيابة العامة قراراً بتكليف الطبيب الشرعي من اجل إجراء الصفة التشريحية للجثة لغايات الوقوف على سبب وظروف الوفاة وإعداد تقرير مفصل بذلك.
-الإشراف على مأمور الضبط القضائي في مسرح الجريمة : وذلك لغايات جمع الأدلة المادية من مسرح الجريمة مثل البصمات وآثار الدم أو الأسلحة النارية أو الأداة المستخدمة في الجريمة وغيرها من الأدلة.
-سماع الشهود : يقوم وكيل النيابة العامة بسماع الشهود المتواجدين في مسرح الجريمة.
أما الأدلة الرئيسية التي تعتمد عليها النيابة العامة لتوجيه تهمة القتل لشخص معين، فتتلخص بما يلي:
-الخبرة الفنية: وهي تشمل تقرير الطب الشرعي، وتقرير فني يتعلق بالأسلحة ، تقرير البصمات، تقارير الحمض النووي .
-الشهود.
-الأدلة المضبوطة : مثل السلاح الناري أو السكين وهي غالبا ما تكون الأداة المستخدمة في الجريمة. بالإضافة إلى البصمات ، الأدلة الالكترونية وغيرها.
-الاعتراف: وهي أقوال المتهم نفسه في معرض الاستجواب أمام النيابة العامة او سماع أقواله لدى الضابطة القضائية والتي يعترف فيها بارتكاب الجريمة وتفاصيل ارتكابها.