بقلم: ميرا فياض *
لا شك أن إدارة قطاع غزة كانت ولا تزال تحديًا كبيرًا لأي جهة تتولى شؤونه، ولطالما كان الهدف الأساسي هو توفير حياة كريمة ومستقرة لسكانه. ومع ذلك، فإن مقارنة الوضع في غزة تحت حكم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة فتح (1994-2007) بفترة حكم حركة حماس (2007-حتى الآن) تُظهر تباينات كبيرة.
فكيف كانت غزة في عهد “فتح” مقارنة بالوضع الحالي تحت حكم “حماس”؟ وما الذي نتج عن الانقلاب الذي قادته الأخيرة عام 2007؟
صحيح أن قطاع غزة يواجه أزمات متواصلة منذ عقود، لكن الأرقام والإحصائيات تشير إلى أن الوضع كان أفضل نسبيًا عندما كانت السلطة الوطنية الفلسطينية تقود القطاع، ومنهذه المؤشرات التي تدعم هذا الاستنتاج على. على سبيل المثال:
- في عهد “فتح”، كان معدل البطالة في غزة في عام 2000 حوالي 18% فقط، بينما ارتفع إلى أكثر من 50% بحلول عام 2023، وفقًا لتقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
- الدخل الشهري للفرد في غزة قبل عام 2007 كان يبلغ حوالي 250 دولارًا، مقارنة بمتوسط دخل حالي يبلغ نحو 130 دولارًا فقط، وفقًا للبنك الدولي.
- الدعم الدولي: بلغ حجم المساعدات الدولية للقطاع في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية أكثر من 1.5 مليار دولار سنويًا، ساهمت بشكل كبير في تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية.
لكن حينما انقلبت “حماس” على الشرعية الفلسطينية عام 2007، فقد آلت الأمور إلى ما يلي:
أولا:ً انقسام داخلي مدمر: تسبب الانقلاب المسلح الذي قادته حماس في يونيو 2007 بانقسام سياسي وإداري عميق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أضعف الموقف الفلسطيني على الصعيدين الداخلي والدولي.
ثانياً: تشديد الحصار الإسرائيلي: ردًا على سيطرة حماس على غزة، فرضت إسرائيل حصارًا مشددًا على القطاع، ما أدى إلى شلل اقتصادي واسع النطاق وتدهور في مستويات المعيشة.
ثالثاً: تفاقم الأزمات الإنسانية: وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، ارتفعت معدلات الفقر المدقع لتشمل 64% من السكان، بينما انخفضت الخدمات الصحية والتعليمية إلى مستويات غير مسبوقة.
رابعاً: انهيار البنية التحتية: أدى غياب الدعم الدولي وانقطاع التمويل الخارجي إلى تدهور كبير في البنية التحتية. إذ بقي القطاع يعاني قبل اندلاع حرب الإبادة من أزمة كهرباء حادة وانقطاع يومي يصل إلى(12) ساعة، فيما افتقر 97% من السكان إلى مياه شرب نظيفة.
خامساً: عزلة دولية: تسبب الانقلاب بفقدان القطاع الدعم السياسي والمالي الدولي الذي كان يتمتع به أثناء إدارة السلطة الوطنية، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية وتفاقم العزلة الدولية.
سادساً: ارتفاع معدلات الهجرة: نتيجة تدهور الأوضاع، زادت معدلات هجرة الشباب من القطاع، حيث أشارت تقارير إلى أن آلاف الشباب يحاولون مغادرة غزة سنويًا بحثًا عن مستقبل أفضل.
سابعاً: حرب إبادة مدمرة: إن أحداث(7) أكتوبر تسببت بحرب مدمرة على قطاع غزة، لم تنته بعد مرور عام وشهرين، أودت بأكثر من (44) ألف شهيد، و(100) ألف جريح، و(10) آلاف مفقود، وتسببت بدمار البنية التحتية، ووضعت قطاع غزة أمام خيارات صعبة، وأعادت احتلال مناطق واسعة منه.
وبناء على ما تقدم، أعتقد أن الأرقام والحقائق تشير بوضوح إلى أن قطاع غزة كان في وضع أفضل خلال فترة حكم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة “فتح”، تحديداً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
كما أن الانقلاب الذي قادته “حماس” أثر سلباً على كل مناحي الحياة في غزة، بدءًا من الانقسام الداخلي، وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية والإنسانية المتفاقمة.
ما يحتاجه قطاع غزة اليوم هو قيادة وطنية موحدة قادرة على إعادة القطاع إلى مسار التنمية والاستقرار، من خلال تحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الدعم الدولي.
ومن وجهة نظري، فإن الحقائق والأرقام تشير بوضوح إلى أن قطاع غزة شهد استقرارًا نسبيًا وتقدمًا ملموسًا في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة “فتح”، مقارنة مع الفترة اللاحقة.
إنّ عودة القيادة الشرعية للقطاع، بما في ذلك استعادة دور حركة “فتح” كرمز للوحدة الوطنية وممثل للشعب الفلسطيني، قد تكون السبيل الأفضل لإعادة بناء غزة، وإنهاء معاناة سكانها. “فتح” تمتلك من الخبرة السياسية والعلاقات الدولية ما يؤهلها لتحقيق شراكات حقيقية ودعم دولي يعيد الأمل للقطاع وينقله من حالة الركود إلى مرحلة النهوض.
ويظلّ الأمل في إقامة قيادة موحدة بقيادة حركة “فتح”، تكون قادرة على إعادة قطاع غزة لرونقه ومكانته، وتوجيه البوصلة نحو تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بأسره، لتوحيد شقي الوطن، تمهيداً للدفع باتجاه دولة فلسطينية على حدود عام 1964م.
*طالبة إعلام رقمي في جامعة القدس المفتوحة-فرع رام الله والبيرة