“عدم وجود المطارات في فلسطين دفعني للاستقرار والعمل في ألمانيا“
برلين –المحرر- فلسطين دريدي – ماهر دريدي عندما تنظر إلى السماء وترى طائرة تحلق بثقة، ربما لا تدرك حجم العبقرية الهندسية وراء تلك اللحظة. هندسة الطيران ليست مجرد تصميم طائرات، بل هي فن تحويل الأحلام إلى واقع محلق. إنها عالم يدمج بين الرياضيات والفيزياء، وبين الجرأة والإبداع، ليخلق مركبات تتحدى الجاذبية وتربط بين القارات في ساعات معدودة. اليوم، نحن على موعد مع أحد مهندسي الطيران، لنحلق معه في حوار شيّق يكشف لنا عالمه الخاص بين الطيران والمسرح.
يتحدث المنهدس منير الرجوب (26) عاماً، وهو وفنان ومدرب مسرحي محترف في مسرح الرحالة في برلين، عن تجربته في الجمع بين العمل وحلمه المسرحي.
يشير الرجوب إلى شغفه في هندسة الطيران منذ الطفولة دفعه للإنتقال إلى المانيا بعد إنهاء الدراسة الثانوية ليبدأ مشواره التعليمي في الطيران، وبين اكتشاف عالم المسرح الذي مكّنه من التعبير أكثر عن نفسه، واكتشاف طاقاته الإبداعية. وفيما يلي نص الحوار:
*من هو منير الرجوب؟
أنا مهندس طيران، تخرجت من الجامعة التقنية” فيلداو المانيا عام 2023، وتخصصت في مجال تصميم الطائرات وهندستها. وعملت منذ بدء التخرج إلى هذه اللحظة في شركة هندسية في مدينة برلين بدوام كامل، وأعمل أيضاً مديراً للمشاريع في مسرح الرحالة برلين.
*كيف استطعت الجمع بين تخصص هندسة الطيران وعملك كمنسق مشاريع ومدرب محترف في المسرح؟
اختياري لتخصص هندسة الطيران كان شغفي في الطيران منذ الطفولة، مع الأسف في فلسطين لا يوجد مثل هذه الدراسة، ولا حتى يوجد مطارات يمكن أن أعمل بها، ما دفعني للسفر إلى المانيا من أجل تحقيق هذا الهدف، مع العلم أنني كنت أرغب في دراسة الفضاء الجوي قبل التفكير بهندسة الطيران، إلا أن الأهل قد قالوا لي” خليك في عالم الطيران وبلاه الفضاء الجوي”، ما جعلني اتجه إلى هندسة الطيران كمهنة مستقبلية. أما بالنسبة للمسرح فهذه حكاية أخرى، خلال دراستي في الثانوية شاركت مع مسرح “نعم في الخليل” بعدة ورشات مسرحية، وقدمت بعض الأعمال المسرحية كممثل. المسرح بالنسبة لي بمثابة متنفس واكتشاف لذاتي، مع معرفتي مسبقاً أن مهنة المسرح لا يمكن أن تكون المهنة الأولى. أعتاش منها لذلك جعلتها المهنة الثانية. من هنا بدأت أتعرف على أشخاص يعملون في المسرح، وبدأت أطور مهاراتي وموهبتي في المسرح الذي لم أنقطع عنه إلى هذا اليوم.
*ما الذي ألهمك لدخول هذا المجال المتنوع؟
الشغف بالدرجة الأساسية هو الدافع الأول، بين الطيران والمسرح، استطعت أن أكون في مسرح الرحالة في برلين، وفكرة التنقل بين الفضاء المسرحي المتنقل أثار اعجابي.
*كونك مهندساً للطيران والفضاء، لم تذهب بعيداً بين فضاء مسرح الرحالة، برأيك الشخصي ما الدور الذي يلعبه المسرح في تطوير مهارات الشباب؟
نعم، المسرح بيئة خاصة لتطوير مهارات الشباب، فعلاً لعب دوراً أساسياً في تطوير شخصيتي كمتنفس أستطيع من خلاله التقرب إلى أشياء خاصة في شخصيتي لا أرغب في اظهارها في العادة، كان نوعاً ما غطاءً يحميني وأحتمي به، أشعر بهذه الحرية على خشبة المسرح حيث الإلهام والسحر، هناك تقبل رهيب لوجودي على الخشبة من قبل الجمهور، لذا من المؤكد أن المسرح يلعب دوراً مهماً في صقل شخصيات الشباب، وخاصة إذا كان لديهم مهارات فنية وثقافية إبداعية.
*كيف تساهم برامج التبادل الشبابي التي تنظمها في خلق تجارب تعليمية مؤثرة؟
دعني أوضح للجمهور ما هو “ايراسموس+ “، فهو برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي يهدف إلى دعم التعليم والأنشطة الثقافية في كامل دول الاتحاد الأوروبي وخارجها، وهو مقسوم إلى ثلاثة برامج رئيسة: البرنامج الأول يدعم الجامعات والطلبة، والثاني يدعم المدارس، والثالث يدعم المنظمات والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وهو ما ينطبق علينا في مسرح الرحالة برلين، ومن خلال هذه البرامج استطعنا أن نبني شراكات مع مؤسسات استراتجية في أوروبا، ونتبادل التدريب في مجال التعليم غير المنهجي” non formal Education” في موضوعات ثقافية وفنية مسرحية، استطعنا من خلاله أيضاً تطوير مهاراتنا التدريبية وتبادلها مع المؤسسات الشريكة. هذا البرنامج كان الدافع الأساسي للتعريف عن هويتنا في الرحالة ليس فقط في برلين، بل في أوروبا بشكل عام.
* ما الفوائد التي تعود على الشباب المشاركين في هذه البرامج؟
هناك فوائد عديدة من الممكن الاستفادة منها حسب الشخص المتلقي، أذكر منها: تعلم اللغة الإنجليزية، وتطوير الموهبة سواء الفنية، والموسيقية، والمسرحية، والتعرف على أصدقاء أوروبيين، وخبرات أوروبية، والسفر حافز أساسي للمشاركة، وتطوير الذات. نقطة أخرى حتى لو كنت غير مقتدر مادياً يمكنك المشاركة، لأن البرامج يغطي جميع التكاليف، من تذاكر سفر، وإقامة، وطعام، إلخ.
حالياً يوجد مكتب لـ”ايراسموس+” في رام الله، المشاركة الفلسطينية في البرنامج مقتصرة على تبادل طلبة الجامعات مع الطلبة الأوروبيين، هناك برنامج للتبادل مثلاً في جامعة بير زيت، وجامعات فلسطينية أخرى من خلال إكمال فصل دراسي واحد في جامعة أوروبية، أما على صعيد المنظمات الأهلية، فالمشاركة ضئيلة نسبياً، لكن في حال وجود شريك مناسب من هذه المؤسسات في مشروع تبادل، طبعاً يمكنهم المشاركة.
أثناء مشاركتي في برامج التبادلات الشبابية، اكتشفت بأن لدي موهبة أخرى، وهي قدرتي على إدارة المشاريع، وهذه ايضاً من حسنات البرنامج، بحيث أنك تستطيع أن تكتب وتدير مشروعاً بالطريقة الصحيحة، يمكن للبرنامج أن يموله، وبالتالي تحقق مشروعك الخاص.
*كيف تستطيع أن تقيّم تأثير هذه المشاريع على المجتمع المحلي والدولي؟
على الصعيد المحلي وخاصة في المناطق البعيدة والمهمشة، برامج التبادل تسهم في زيادة التوعية المجتمعية، وبالتالي مشاركتهم واندماجهم في برامجها. أما على الصعيد الدولي، أتاح البرنامج خاصية الخروج جغرافياً من أوروبا نحو العالمية، اليوم تستطيع دول عربية مثلاً الأردن المشاركة في التبادلات الشبابية، وكذلك دول أسيوية بعيدة يمكن أن تنضم إلى البرامج.
*ما أهم الإنجازات التي قمت بها ضمن مسرح الرحالة في برلين؟
نفذنا حتى هذه اللحظة أكثر من(17) مشروعاً أوروبياً كشركاء، بالإضافة إلى (3) مشاريع نفذناها السنة الماضية كمديرين ومنسقين للمشاريع مع شركاء من البرتغال، وايرلندا، واليونان، وايطاليا، واسبانيا، وبولندا، وتركيا، هزولندا، ولوكسمبرغ. وهناك أيضاً مشاريع كبيرة نفذناها على نطاق أوسع سواء مادياً وتعليمياً وثقافياً.
* في تصريح سابق لك، أشرت إلى أن البرامج التي اعتمدتها وزارة الهجرة الألمانية لتعزيز الاندماج المجتمعي بين الأجانب غير فعّالة، هل لك أن توضح لقرّاءنا سبب ذلك؟
برأيي هذه برامج أحادية، تقوم في جوهرها على تقديم مفهوم الاندماج بأن يتعلم اللاجئ أو الأجنبي اللغة والثقافة الالمانية من خلال دورات مدفوعة، ويبقى هذا الاندماج من جهة واحدة، حيث تستثني الجانب الآخر وهو المواطن الألماني، وهذا ما جعل هذه البرامج غير فاعلة، بعكس برامج “ايراسموس+” التي تجعل المواطن الألماني يشارك مع أجانب ولاجئين في المجموعة الواحدة نفسها، وبالتالي يحقق اندماجاً أسرع على جميع الأصعدة.
*كيف ترى مستقبل هذا النوع من المشاريع؟
مشرق بكل تأكيد، لأن هذا النوع من المشاريع يعطي مساحة أكبر ودوراً للشباب للمشاركة والتطوير، ومن خلال تجربتي، أرى أنه يمكن تحويل هذه المشاريع المهمة إلى واقع حقيقي نعايشه، ونلمس نتائجة بين الشباب المبدع الذي يُطور مهاراته بكل أشكالها سواء التعليمية غير المنهجية أو التوعوية.
*كيف توفق بين عملك الهندسي والمسرحي والعمل الشبابي؟
ليس سهلاً التوفيق إدارياً بين العالمين، لأن هندسة الطيران تأخذ وقتي خلال الأسبوع، وفي نهاية الأسبوع أعمل في المسرح، أعتبر المسرح هواية مليئة بالشغف والحب، لذلك أعمل توازناً قدر الإمكان بين وقتي لأوفّق بين العملين.
*ما النصيحة التي تقدمها للشباب الذين يرغبون في استكشاف مواهبهم في مجالات غير تقليدية، أو الجمع بين تخصصاتهم الأكاديمية وإبداعاتهم الفنية؟
أن يكونوا جريئين في استكشاف ذواتهم، ولا يخشون تجريب الأشياء التي يحبونها، وتجربة أشياء جديدة غير اعتيادية، وأن يخرجوا من هذه القوقعة، لأنه بهذه الطريقة سيكتشوفون ذواتهم اكثر ليحققوها في النهاية. وهذا أفضل أن تقوم بشيء لا ترغب به، فعلى سبيل المثال أفضل أن تدرس لسنوات طويلة وتعمل في مجال لا تحبه، لو فعلت ذلك حتماً لن تبدع. من أجل ذلك، بادر منذ الصغر للانخراط في الأنشطة الشبابية، والمخيمات الصيفية لتتعرف على آفاق أوسع، شارك في برامج “ايراسموس+”، والسفر مهم، حاول أن تسافر لتتعرف على ثقافة الآخرين.
*ضمن مساق “الكتابة الإعلامية” لطلبة برنامج “التعليم الدولي”