الرئيسيةرئيسيعيسى أبو ريال..رحلة كفاح مستمرة بعد (17) عاماً في الأسر

عيسى أبو ريال..رحلة كفاح مستمرة بعد (17) عاماً في الأسر

رام الله-المحرر-هديل أبو ريال ومرح نصار-عيسى وليد أبو ريال (45)عامًا متزوج وأب لطفلتين، مريم وسارة. ورغم التحديات التي واجهها في حياته، ظل متمسكًا بالأمل. يعمل موظفًا في شركة توصيل، ولكن عمله لا يتوقف عند ساعات الليل، فهو يحمل في قلبه ذكريات مؤلمة من أيامه قبل الأسر، فهذا الشاب الذي أمضى (17) عاماً في الأسر، يكافح اليوم في حياة مليئة بالصعاب.

وُلد عيسى عام 1979، وعاش طفولته في مخيمات اللاجئين. كان عمره(22)عامًا عندما تم اعتقاله، وهو ينحدر من عائلة كبيرة تضم(11) فردًا. ورغم الفقر، كانت حياته مليئة بالحب والتعاون. كان حلمه أن يصبح طبيبًا، لكن الظروف في المخيمات حالت دون تحقيق هذا الطموح، وهو يسعى الآن لتحقيقه من خلال أولاده.

علاقته بفلسطين هي علاقة عشق عميقة، فكل شبر من أرضه يحمل تاريخًا ومعنى. يحب كل مكان في فلسطين، وخاصة نابلس ومخيم بلاطة الذي يحمل ذكريات طفولته. بالنسبة له، لا يهم الانتماء التنظيمي، فكل فلسطيني ينتمي لفلسطين أولًا وآخرًا.

في 31 أيار 2002، اعتقله الاحتلال خلال اجتياح نابلس. كان المخيم محاصرًا تمامًا، وحاول الهروب لكنه فوجئ بالدبابات تحيط بهم. بعد ساعات من القصف، تم جمعهم في نقطة تجمع، ثم نقلهم إلى مركز حوارة حيث تم اكتشاف هويته واعتقاله مع أخويه. خضع للتحقيق القاسي، حيث تم تقييده وضربه بشدة.

بعد أسبوع من التحقيق في حوارة، نُقل عيسى إلى سجن “بيتح تكفا”، حيث عانى من ظروف قاسية تشمل أيامًا بلا طعام أو راحة، مع تحقيقات مستمرة. في سجن “مجدو”، تفاقمت معاناته النفسية بسبب المعاملة القاسية في “غرف العصافير”، واكتشف خيانة بعض الفلسطينيين الذين تعاونوا مع الاحتلال.

نُقل بعدها إلى العزل الانفرادي في سجن عسقلان، حيث زادت معاناته من العزلة والمعاملة السيئة. رغم ذلك، تمسك بالقرآن الكريم وكان له عزاء في إيمانه. ثم انتقل إلى سجن “شطة”، حيث واجه تفتيشات قاسية وضربًا يوميًا، وكانت عملية النقل بين السجون تستغرق أيامًا طويلة. ومع ذلك، اكتشف أن السجن لا يكسر الإنسان إذا تمسك بقيمه وإيمانه.

تحول السجن بالنسبة له إلى “الجامعة اليوسفية”، حيث أصبح مكانًا للتعلم وتبادل المعرفة بين الأسرى من مختلف التخصصات. استغل الأسرى الفراغ لتعلم القراءة والكتابة، وحصل بعضهم على شهادات جامعية. تخصص عيسى في دراسة الخدمة الاجتماعية، رغم التحديات التي واجهها.

داخل السجن، كانت العقبات كثيرة مثل تأخير الكتب الدراسية لأشهر طويلة، لكن العزيمة لم تتزعزع. تعلم الأسرى لغات جديدة مثل العبرية، وواجهوا تحديات يومية مثل التفتيش المستمر وسحب الكتب بحجة البحث عن هواتف محمولة ممنوعة، لكنهم استمروا في التعلم ونسخ ما يستطيعون، مستفيدين من كل لحظة رغم قسوة السجن.

في السجن، طلب عيسى صورة لابنة أخيه الصغيرة “هديل”، التي وُلدت أثناء اعتقاله. وصلته الصورة وهي ترتدي عباءة ومنديلاً، فتعلق بالصورة  أكثر من تعلقه بها شخصيًا، لأنها كانت الرابط الوحيد بينه وبينها. كان يحدثها في ذهنه يوميًا. كانت تلك الأيام مليئة بالذكريات، خاصة مع صديقه “فرسان” الذي استشهد في غزة. كان دائمًا يسأله عن “هديل” ويتحدثا مع الصورة كأنها بينهما. ورغم الأمل الذي كان يعلق في قلبه بلقاء عائلته يومًا، كانت الحياة أقوى من أحلامهم.

 خلال سبعة عشر عامًا في السجن، كان الأمل بالحرية  هو ما يبقيهم على قيد الحياة. فرغم قسوة الظروف، كان كل أسير يعلق آماله على اللحظة التي سيخرج فيها، حتى لو كانت بعيدة. أكثر ما كان يؤلمهم هو الفقد، فكانوا يسمعون عن وفاة أحد أحبائهم دون أن يتمكنوا من وداعهم.

كان التواصل مع الأهل صعبًا، أحيانًا ينتظرون شهورًا للحصول على رسائل. اكتشف عيسى بعد الإفراج عنه في إحدى المرات أن شقيقته تزوجت، وشقيقته الأخرى رزقت بمولودة توفيت.

مع مرور الوقت، بدأ الأسرى يبتكرون طرقًا للتواصل عبر تهريب الهواتف المحمولة. كانت تلك اللحظات الثمينة التي جعلتهم يشعرون بوجودهم مع عائلاتهم. تعلموا أيضًا مهارات يدوية، رغم أن عيسى لم يتمكن من إتقانها. ومع كل ذلك، كانت الرسائل والهدايا التي تبادلها الأسرى مع الأهل تمثل نافذة صغيرة على العالم الذي فقدوه.

فجأة مشاعر الفرح غمرته وإذ به يستعيد ذكرياته بعد خروجه من السجن عام 2019، مشاعر عميقة لدرجة جعلته وكانه يعيش تلك اللحظه. كان الاستقبال أكبر من مجرد احتفال عائلي. الجميع من أقربائه وأصدقائه إلى أهل المخيم كانوا ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر. كان الشارع مغطى بالأعلام، والناس يملؤون المكان بالفرح والعزيمة.

تجربته في السجن كانت بمثابة مدرسة إنسانية. فقد تعلم فيها أن المعاناة لا تقتصر على الأسير فقط، بل تمتد لتشمل عائلاتهم. هم يعيشون الألم نفسه، بل ربما أكثر، لأنهم ينتظرون وراء الأسوار، يتحملون القلق والتوتر، وهم لا يعرفون متى سينتهي هذا الانتظار. لذا، يؤمن عيسى أن الاهتمام بالأسرى يجب أن يشمل أيضًا رعاية أسرهم، فالأسير وأهله شركاء في الألم.