*بذريعة إجراء فحص “الفلات فوت” ..أوقعوا ضحاياهم من المدارس ورياض الأطفال وأولياء الأمور
*الفحص “مجاني” ..والمطلوب دفع عربون مقدما لتوفير “ضبان طبي” تبين لاحقاً بأنه مغشوش
سلفيت-المحرر-جيهان عياش-في صباح يوم مشمس، جلست أم طفل صغير في غرفة منزلها في إحدى قرى محافظة سلفيت، تتصفح هاتفها المحمول، فوجدت رسالة من مدرسة في المنطقة تدعو أولياء الأمور لإحضار أطفالهم لإجراء فحص “الفلات فوت” في قدم الأطفال بحيث ” لم يتم اجبار الأهالي على الحضور”.
الخدمة التي كانت تروج لها فتاة شابة، تدعي أنها تقدم فحصًا طبيًا مجانيًا للأطفال. لكن ما أثار شكوك الأم، هو أنها لم تسمع عن هذا الفحص من قبل، ولا تعرف شيئًا عن الفتاة التي كانت تعرضه.
بدأت الأم في البحث عن هذه الفتاة، لتكتشف أنها كانت تتصل بمديري المدارس ورياض الأطفال في المنطقة، تطلب منهم توزيع أوراق دعائية على الأهالي. وعندما تابعت الأم الأمر، اكتشفت تناقضات غريبة في تصريحات الفتاة، التي كانت تدعي أنها تعمل في وزارة التربية والتعليم تارة، وفي وزارة الصحة تارة أخرى، وأحيانًا أخرى كانت تقول إنها موظفة في مركز طبي معروف. هذه التناقضات جعلت الأم تشك في مصداقية الفتاة، خاصة عندما قررت دفع عربون للحصول على “ضبان طبي” لطفلها، لكنها سرعان ما قررت إلغاء الطلب بعدما شعرت بشيء غير مريح.
لم تكتفِ الأم بذلك، بل قررت التحقق من صحة هذه الادعاءات بنفسها. في إحدى قرى سلفيت، ظهرت الفتاة برفقة صديقتها، كل منهما ترتدي “لاب كوت” يحمل شعار مؤسسة طبية أهلية ، بينما كانت صديقتها تحمل زيًا يحمل شعار كلية طبية معروفة. قررت الأم أن تراقب الموقف عن كثب، فطلبت من الفتاة فحص طفل صغير على أنه ابنها. إلا أن طريقة الفحص كانت غير مهنية وغير دقيقة، ما زاد من شكوكها.
عندما سُئلت الفتاة عن مكان عملها، أجابت بأنها تعمل في مركز عناية في نابلس، لكن في وقت لاحق، وبعد أن توجه موظف من البلدية لسؤالها عن مكان عملها، قالت إنها تعمل في مؤسسة طبية أهلية. هذه التناقضات المتكررة كانت تثير القلق، خصوصًا عندما رفضت الفتاة تقديم هويتها الشخصية بشكل قاطع، ما جعل الأم تشعر بالريبة أكثر.
الشكوك تتزايد..والاعتراف سيد الأدلة
في تطور آخر، قام أحد الأشخاص الذين ادعت الفتاة أنه مديرها بالتواصل مع الأم عبر الهاتف، ليؤكد لها أنه لم يتلقَ أي اتصال منها منذ شهرين. وفي مفاجأة أخرى، ظهر شاب ادعى أنه خطيب الفتاة، وبدأ في الاعتراض على تواصل الأم مع المدير، محاولًا إيقاف التحقيق. قال الشاب إن نشاطهم يقتصر على مدينة طولكرم فقط، بينما كانت الفتاة قد ازعمت في وقت سابق أنها تعمل في نابلس.
بعد أن تكشفت هذه الحقائق، قررت الأم إبلاغ الشرطة بكل ما اكتشفته. وعلى الفور، تحركت قوة أمنية إلى المنطقة، حيث تم توقيف المجموعة. وبعد التحقيقات، اعترف أفرادها بأنهم لا ينتمون لمهنة الطب ولا يحملون شهادات لمزاولة المهنة، وأنهم كانوا يمارسون هذه الأنشطة بهدف جمع المال بطرق غير قانونية. كما تبين أن “الضبان الطبي” الذي كانوا يقدمونه ليس ضبانًا طبيًا، بل كان مجرد ضبان عادي لا علاقة له بأي فحص طبي.
ضحايا..مدارس ورياض أطفال أولوياء أمور
الشاب الذي رافق الفتاة، زعم انه نشاطهم يقتصر على محافظة طولكرم، في حين أن الفتاة كانت قد زعمت أنها تعمل في نابلس. وفي تطور آخر، وبعد معلومات وتقص لمعدة التحقيق تبين لها أن عمليات تنظيم “الفحصوات الطبية المجانية” شملت عدة قرى في سلفيت بالإضافة إلى مناطق في جنين، بالإضافة إلى أوراق دعائية تدعو الأهالي لإحضار أطفالهم للفحص.
وقد وقع بالفعل عدة مدارس ورياض أطفال وأولياء أمور في شرك عملات الانتحال هذه دون ان تتأكد تلك المدارس من هويات القائمين عليها. وكانت المجموعة تدعي ان الفحص مجاني لكنها تطلب عربونا بقيمة تتراوح بين 150و200 شيقل لتوفير “الضبان الطبي”، والذي تأكد لاحقاً بأنه ليس بمواصفات طبية على الإطلاق.
وبعد إبلاغ معدة التحقيق لجهاز الشرطة بكافة التفاصيل ، توجهت قوة أمنية إلى البلدة وأوقفت المجموعة. وتم تحويل أفرادها إلى شرطة محافظة سلفيت للتحقيق، حيث تبين أن الضبانات التي تقدمها المجموعة ليست طبية، وأن عملهم يفتقر لأي ترخيص قانوني. وفيما بعد تم تأكيد أن الضبان الذي توزعه المجموع ليس طبياً وإنما مغشوشاً.
ممارسة مهنة الطب بلا ترخيص
وأكد جهاز الشرطة أن التحقيقات أظهرت أن المجموعة كانت تمارس مهنة طبية بدون ترخيص، وأنهم انتحلوا صفة موظفين في مؤسسات طبية معروفة.
وأوضح البيان أن المجموعة كانت تهدف إلى جمع المال عبر تقديم خدمات طبية مزعومة. وأضاف البيان أنه تم التنسيق مع وزارة الصحة وهيئة البلديات لتعميم التحذيرات حول هؤلاء الأشخاص، داعياً المواطنين إلى التأكد من هويات أي شخص يقدم خدمات طبية.
وفيما تعليق له على الحادثة، أصدر محافظ سلفيت، اللواء د. عبدالله كميل، بيانًا أكد فيه أن الأجهزة الأمنية في المحافظة تمكنت من كشف ملابسات جريمة انتحال صفة طبية. وأشاد بجهود الشرطة في إيقاف المتهمين، مؤكدًا أن هذه الممارسات تتعارض مع القيم الأخلاقية والدينية.
كما شدد على ضرورة الحصول على الموافقات الرسمية من الجهات المختصة قبل مزاولة أي نشاط طبي أو اجتماعي في المنطقة.
ودعا محافظ سلفيت المواطنين إلى التبليغ عن أي ممارسات مشبوهة قد تضر بصحة المجتمع، مؤكدًا أن الأجهزة الأمنية لن تتهاون مع أي شخص يحاول استغلال حاجة الناس لتحقيق مكاسب غير قانونية.
كما أشار إلى أهمية الوعي المجتمعي والتأكد من هوية أي شخص يقدم خدمات طبية أو اجتماعية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها المواطنون.