رام الله-المحرر- يمامة حماد-رغم أن عبيدة حامد (18) عاماً ابن بلدة سلواد بمحافظة رام الله والبيرة كان متفوقاً دراسياً، غير أنه اختار أن يكون مقداماً في مواجهة الاحتلال ليقدم روحه فداءً للوطن، بعد مرور ستة أشهر على كتابة وصية له.
كان عبيدة واحداً من أفضل الطلاب في مدرسته، وقبل دقائق من استشهاده، أنهى امتحان الكيمياء، ليجد نفسه أمام ضجيج قوات الاحتلال التي اقتحمت بلدته، ليتصدى لها الشبان بأجسادهم العارية.
قفز عبيدة وأقرانه عن سور المدرسة، متسلحين بحجارةٍ ألقوها على جنود الاحتلال، أصيب عبيدة بكتفه وخاصرته، وتلطخ معطفه الأبيض بدمائه، فاستشهد على الفور.
عندما علمت والدة عبيدة بإصابة ابنها، ذهبت مع خالها بسيارته التي كان يقودها ببطء شديد، فقلقت وطلبت منه الإسراع، لكن فجأة سمعت صوت ابنها عبيدة في رأسها يقول: “اطلبيلي اياها يما”. فأجابت والدته: “الله معك يما، الله يسهل عليك”.
هديل شقيقة الشهيد تلقت خبر استشهاده أثناء عودتها من جامعتها، ودموعها أنهمرت على وجنتيها لتدرك بأن لحظة الوداع قد حانت.
بعد مرور ساعات، امتلأ المنزل بالمعزيين، وما زالت عائلة الشهيد تنتظر وصول جثمانه، وما هي إلا لحظات حتى وصل عبيدة إلى منزله الذي تربى فيه ليزوره للمرة الأخيرة. انبعثت رائحة مسك من المكان، وعلى جناح السرعة، شيع المحبون شاباً عرف بخلقه والتزامه وإقدامه.
بعد أيام من انتهاء العزاء، قام أحد أصحاب الشهيد بإعطاء عائلة عبيدة، حجراً يحمل آثاراً من دماء ابنهم، كانت تنبعث منه رائحة المسك.
تستذكر هديل لحظة دخولها إلى المنزل ساعة تشييع شقيقها، وبدون تفكير ذهبت لغرفة عبيدة، وجلست على سريره، لتبدأ باستجماع ذكرياتها معه.
قررت هديل قبل يوم من استشهاد شقيقها أن تدعوه لتناول مشروب ساخن، تبادلا أطراف الحديث، ومضى الوقت دون أن يعلما بأنه اليوم الأخير لاجتماعهما في الدنيا.
ذات يوم اتصل ضابط احتلالي بعبيدة يهدده بعد انتشار مقاطع له وهو يلقي الحجارة على جيبات جيش الاحتلال في مواجهات البلدة، تحدى ذلك الضابط، ونشرَ على صفحته الخاصة كلاماً وطنياً أعادت كتيبة جنين نشره.
رائحة عبيدة مازلت ساكنة في المنزل، وأفراد العائلة كلما تجولوا في أرجائه تذكروا ضحكته واندفاعه وحيويته، تذكروا دراسته وحضوره، وحديثه عن أحلامه المستقبلية.
كان عبيدة يحلم بدراسة الطب بعد الانتهاء من الثانوية العامة، لكنه اختار أن يكون شهيداً، رصاصة جندي إسرائيلي مجرم، اخترقت صدره، ومزقت حلمه، وأسكنت الحزن في أسرة فلسطينية لاذنب لها إلا بأنها تدفع كباقي الأسر الفلسطينية ثمن وجودها في فلسطين من أرواح أبنائها.