الرئيسيةتقاريرالمستوطنون .. تهديد وجودي للتجمعات البدوية في نبع العوجا

المستوطنون .. تهديد وجودي للتجمعات البدوية في نبع العوجا

نابلس-المحرر-بيان جمعة – تعيش التجمعات البدوية المحيطة بنبع العوجا، الواقع شمال مدينة أريحا، واحدة من أصعب فترات وجودها نتيجة تصعيد مستمر وغير مسبوق في اعتداءات المستوطنين.

 النبع الذي يُعدّ مصدر حياة أساسي للمواطنين ومواشيهم، تحول إلى نقطة صراع متزايد مع المستوطنين الذين يسعون إلى السيطرة على الموارد الطبيعية ضمن خطط توسعية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وفرض واقع جديد يخدم المستوطنات.

خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت حدة الاعتداءات لتشمل تنظيم المستوطنين لحفلات صاخبة بالقرب من النبع، ما أدى إلى منع المواطنين من استخدامه في حياتهم اليومية. إضافة إلى ذلك، قامت مجموعات المستوطنين برعي أغنامهم قسرًا في أراضي الفلسطينيين الزراعية، ما أدى إلى تدمير محاصيلهم وإلحاق أضرار جسيمة بمصادر رزقهم. وفي نيسان الماضي، أُقيمت بؤرة استيطانية جديدة على بُعد 500 متر فقط من قناة النبع، ما أدى إلى تصاعد التوترات وزيادة القيود المفروضة على السكان.

كما شملت الانتهاكات سرقة خطوط وأنابيب المياه، وإضرام النار في خيام الفلسطينيين وممتلكاتهم. ويؤكد المواطنون أن هذه الممارسات تُنفذ تحت حماية مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي توفر الدعم للمستوطنين وتمنع الأهالي من الدفاع عن أراضيهم أو مواردهم الطبيعية.

يصف أحد المواطنين المتضررين حجم المعاناة التي تعيشها التجمعات قائلاً: “نحن نعتمد اعتمادًا كليًا على نبع العوجا لتلبية احتياجاتنا الأساسية. المياه التي تأتي منه تُستخدم للشرب، وري المحاصيل، وتربية المواشي. لكن منذ فترة، أصبح من الصعب علينا الوصول إلى النبع بسبب تواجد المستوطنين المستمر”.

ويضيف”هؤلاء المستوطنون يجلسون على طول مجرى المياه ويمنعوننا من استخدامها، خاصة بعد السابع من أكتوبر. الأمر أصبح أكثر صعوبة بفضل الحماية التي يوفرها الجيش الإسرائيلي لهم”.

يشير المزارع عايد موسى نجادة، الذي تعرض مسكنه للحرق، إلى أن “هذه الأرض ليست فقط مورد رزقنا، بل هي مصدر حياتنا وصمودنا في وجه الظروف الصعبة. الاعتداءات المتكررة تجعل وجودنا على هذه الأرض مهددًا، وتضعنا أمام خيارات صعبة، مثل الهجرة القسرية، وهو أمر لا نقبله.”

تسببت اعتداءات المستوطنين فبتهجير العديد من الأسر البدوية من أراضيها، وحُرِم السكان من الوصول إلى مصدر المياه الوحيد في المنطقة. ومع إغلاق النبع لفترات طويلة، اضطر السكان إلى شراء تنكات مياه باهظة الثمن، ما شكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا عليهم.

بالإضافة إلى ذلك، أُغلقت الطرق المؤدية إلى القرية من ثلاث جهات رئيسية: الشمال،ونبع العوجا، وأريحا، إلى جانب شارع 90. هذا الإغلاق حوّل التجمعات البدوية إلى مناطق معزولة، ما جعل من الصعب جدًا على المواطنين توفير مستلزماتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء والأدوية.

من بين الاعتداءات الأخرى التي تعرض لها المواطنون، كانت الاعتداءات الليلية التي تضمنت حرق بركسات الماشية وتخريب الممتلكات. هذا النوع من الاعتداءات تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة للسكان، حيث يعتمدون بشكل كبير على تربية المواشي كمصدر رئيسي للدخل.

بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبلغ عدد سكان منطقة العوجا 5877 فردًا في عام 2024، مع توقع زيادة هذا العدد إلى 6085 فردًا بحلول عام 2026. ومع ذلك، فإن الهجمات المتواصلة والتهجير القسري قد ينعكس بشكل سلبي على هذا النمو الديموغرافي.

في سياق آخر، وثّقت منظمة “البيدر” أكثر من 300 اعتداء منذ بداية عام 2024 فقط. شملت هذه الانتهاكات سرقة 160 رأسًا من الأغنام، بالإضافة إلى تدمير ممتلكات السكان الأصليين ومنعهم من الوصول إلى مواردهم الأساسية مثل المياه والمراعي.

دعا حسن مليحات، المشرف العام لمنظمة “البيدر”، إلى تقديم دعم شامل للسكان المحليين لتعزيز صمودهم في مواجهة هذه التحديات. وأكد على ضرورة توفير دعم سياسي وقانوني ومالي لمساعدتهم على حماية أراضيهم ومواردهم الطبيعية. كما أشار إلى أهمية تشكيل لجان حراسة شعبية لحماية السكان من الهجمات المستمرة التي يتعرضون لها من قِبَل المستوطنين.

رغم الظروف القاسية والاعتداءات المتواصلة، يواصل سكان منطقة نبع العوجا تمسكهم بأرضهم وحقهم في البقاء. يُعدّ النبع رمزًا للأمل والصمود بالنسبة للسكان المحليين، الذين يقفون في وجه التحديات للحفاظ على هويتهم الوطنية وموروثهم التاريخي.

إن استمرار هذه الاعتداءات يطرح تحديات وجودية، لكنه في الوقت نفسه يُبرز قوة الأهلي وإصرارهم على مقاومة كل محاولات التهجير القسري والاستيطان.