سلفيت-المحرر-رزان يونس
روى الأسيرعنان الحشاش في حوار صحفي مع موقع “ألمحرر” تفاصيل السنوات التي أمضاها في المعتقل بين المعاناة والصمود والتحدي، من اللحظة الأولى وحتى لحظات معانقته لحريته للمرة الأولى بعد 16 عاماً، الأسيرعنان عبد العزيز الحشاش (42 عاما) من مدينة سلفيت أمضى 16 عاما في سجون الاحتلال، تنقل خلالها في العديد من السجون أهمها: سجن “جلبوع”، و”عوفر”، و”مجدو”، و”شطا” وغيرها، كما أنهى دراسته الثانوية والجامعية داخل السجون، فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في بتخصص الدراسات الاجتماعية من جامعة القدس المفتوحة، أُفرج عنه بتاريخ 10-11-2020م.
في ما يلي نص الحوار:
* كيف كان مشهد اعتقالك، وماذا حصل بعد الاعتقال؟
اقتحم جنود الاحتلال سلفيت وحاصروا المنزل الذي كنت أتواجد فيه مع رفقائي، كان الجنود مدججين بالسلاح كما كان هناك طائرة في السماء تراقب البيت من أعلى، نادى ضابط الاحتلال على أفراد العائلة المتواجدين معي في المنزل بمكبرات الصوت وطلبوا منهم الخروج حالاً من المنزل، عندما خرجت العائلة قال الضابط لهم: هناك اشخاص متواجدون في المنزل نريدهم ونحن مطوقون المنطقة بالكامل. طلبوا منا تسليم أنفسنا، خرجت أنا ورفقائي.
بعد ذلك أخذونا إلى غرفة تحقيق يسمونها غرفة (عمليات) موجودة في سلفيت أيضا، كان متواجدا بها العديد من ضباط الاحتلال بدأوا بالتحقيق معنا بشكل اولي، ثم انتقلنا إلى منطقة مخصصة للتحقيق حيث تم التحقيق معي هناك في غرف خاصة وبالطبع هنا افترقت عمن اعتقلوا معي (رفقائي).
* كيف كانت ظروف التحقيق معك، وكم أخذت مدة التحقيق؟
في البداية كانت غرف التحقيق في أوضاع صعبة تفتقد لأي معيار صحي ليصلح التواجد فيها، كنت اتنقل من زنزانة تحقيق الى أخرى كل ساعتين تقريبا لمحاولة منهم اتباع أسلوب التعذيب النفسي والضغط، كان يتم التحقيق لساعات طويلة حيث كانت ما بين الساعة السادسة او السابعة صباحا وتظل مستمرة ربما إلى الساعة العاشرة او الحادية عشر ليلاً، وبعد ثلاثين يوماً نقلوني للتحقيق معي في المسكوبية ثم إلى بئر السبع، أخذت هذه الفترة معي حوالي 115 يوما.
كانت فترة التحقيق قاسية جدا، منعوني من التواصل مع الاهل، والأكل كان شحيحاً جدا، وتم استخدام أساليب بعيدة كل البعد عن الحالة الإنسانية، كان يتم ممارسة كافة أساليب التضييق وانتهاك الإنسانية خلال التحقيق، واتباع أسلوب الضرب والشبح وغيرها كوسيلة ضغط على الأسير لإجباره بالاعتراف بالتهم الموجه له.
* ماهي المعاناة التي كنت تتعرض لها في السجن مع باقي الأسرى؟
المعاناة تبدأ عندما يفتقد الأسير حريته، وفقدانه لأهله وأصدقائه وللحياة الطبيعية التي كان يمارسها، حيث في اللحظة التي يدخل فيها الأسير السجن يصبح أي شيء يحمل معنى الحرية هو ممنوع عليه، كان هناك الساعة السادسة صباحا عد صباحي للأسرى في السجن وثم الساعة العاشرة صباحا يأتي الجنود للقيام بعملية (الفحص)، وبالطبع الهدف من هذه الأمور هي ازعاج الأسرى، كما كان هناك عمليات تفتيش بشكل مستمر تتم من خلال وحدات خارج السجن مخصصة للقمع، فعندما يقوم أحد الأسرى بحركة ما كما يسميها الاحتلال (التمرد) يتم فورا الاعتداء عليه بالضرب كما يتم رش الغاز داخل الغرفة.
كما هناك الكثير من متطلبات الحياة ممنوعة داخل السجن، كمنع ادخال العديد من أنواع الطعام المختلفة، بالإضافة إلى منع ادخال أنواع معينة من الملابس أيضا، وبالطبع كان يتم اتباع كافة الأساليب التي لا تمت للإنسانية بصلة مع الأسرى.
*ما الاختلافات التي طرأت على ظروف السجون منذ بداية اعتقالك وحتى الافراج عنك؟
كانت السجون في فترة الستينات والسبعينيات من القرن الماضي تفتقر لأي نوع من التنظيمات، حيث كان يتواجد عدد كبير من الأسرى في غرفة واحدة ذات مساحة قليلة جداً، وكان الأسير لا يملك قطعة ثياب واحدة عدا زي السجن الموحد، وكان هناك العديد من الظروف غير الإنسانية بالطبع. لذلك لجأ الأسرى إلى خلق حالة تنظيمية داخل السجون لانتزاع بعض من حقوقهم، وقاموا بالإضرابات عن الطعام والعصيان والخطوات النضالية، فتم السماح ببعض الحقوق مثل: زيادة مدة الزيارة لكل أسير، كما توفر داخل الغرف جهاز تلفاز وراديو ليطلع الأسرى على الأخبار في الخارج، كما توفر بما يسمى بـ (الكنتينا) وهي مكان يبيع بعض المواد الغذائية، كما تم السماح بإدخل بعض الكتب والروايات.
ولكن هذه الإنجازات لم تكن تتوفر دائماً، فعند أي خطوة يقوم بها الأسرى يتم سحب جزء من هذه الإنجازت كوسيلة تنكيل، كما أن الاختلافات في السجن تتأثر بشكل مباشر بالرأي العام الإسرائيلي، فعندما يحصل أي حدث سياسي بالبلد، يتم التأثير على الرأي العام في مجتمع الاحتلال، وبالتالي يتم فرض عمليات تنكيل بالأسرى في السجون، كردة فعل.
* أنت من الأسرى الذين خاضوا الاضراب عن الطعام عام 2017، كيف كانت هذه الفترة، وكيف اتخذت هذه الخطوة المهمة؟
إن خطوة الاضراب هي آخر خطوة يلجأ إليها الأسرى لأنها أخطر خطوة حيث جاء هذا الاضراب بسبب طموحنا كأسرى في تحسين الأوضاع المعيشية داخل السجون، وتوفير الحقوق الإنسانية البسيطة التي كنا محرومين منها، من ضمنها المطالبة بسماح زيارة العائلة من الدرجة الثانية كأولاد الأخوة والخال والعمة، خاصة للأسرى المحكومين مؤبدات والذي ممكن أن يطول الافراج عنهم، والسماح بإجراء مكالمات هاتفية مع الأهل، كما تم المطالبة في هذا الاضراب بتحسين الأكل والسماح بإدخال أنواع جديدة من الطعام التي هي بالأصل من حقوقنا الأساسية.
كانت هذه الفترة صعبة جداً يتخللها الضغط من قبل الاحتلال بكافة الوسائل علينا لكي ننهي اضرابنا وباقي الأسرى، كان الجنود يمارسون القمع والضرب والتعذيب النفسي، وكانوا يتعمدون اجراء التنقلات للأسرى من سجون مختلفة في هذه الفترة لكي يستنزفوا طاقتهم قدر المستطاع، ولكن في النهاية فشل الاحتلال في كسرعزيمتنا وقد تم تلبية أغلب المطالب التي كنا نطمح بها.
* ما هو شعورك عند لحظة الافراج عنك، بعد 16 عاما من الأسر؟
لا شيء يمكن أن يصف شعوري في هذه اللحظة، فهو شعور مختلط ومتناقض في الوقت نفسه، فهوبين الفرحة والخوف والحزن، فالفرحة هي فرحة رؤية الأهل بعد غياب طويل، ورؤية الناس، والخوف هو الخوف من الواقع الذي ينتظرني، هل سيتقبلني الناس كما أنا، وهل سأتقبل الناس بسبب الغياب الطويل عنهم، والحزن يتمثل بأنني سأفارق الأشخاص الذين كنت معهم في الداخل الذين عشت معهم سنوات طويلة من عمري، رغم كل هذه المشاعر يبقى شعور الحرية هو الأجمل.
*ما شعورك عندما دخلت سلفيت أول مرة بعد غياب طويل، ورأيتها بتطور كبير؟
كنت أرسم صورة معينة للمدينة وأنا داخل السجن، وكانت تصلني صور من الأهل أثناء الزيارة، كنت أرى فيها بعضاً من الشوارع، ولكن المشهد الذي رأيته يختلف تماماً عن المشهد الذي كان مرسوماً في ذهني، فسلفيت أصبحت أجمل من ناحية العمران والتوسع، وبالطبع كنت فخوراً عندما وصلت إلى بلدي.
* ماذا لوعاد بك الزمن إلى عمر العشرينات، هل كنت ستناضل وتقاوم لأجل فلسطين مرة أخرى؟
طاقة عمر العشرين موجودة لدي في عمر الأربعين، بالطبع سأناضل، فهذه فلسطين أغلى وأسمى من كل التضحيات.