رصاص الاحتلال لم يمهله طويلا ليفرح بابنته
رام الله- المحرر- فاطمة الخطيب- تجلس مها رواجبة شقيقة الشهيد بلال رواجبة من قرية “عراق التايه” شرقي نابلس، مناظرة هاتفها بين الدقيقة والأخرى، على أمل أن تتلقى خبرا يبرد قلبها المكلوم، أو مكالمة تحمل لها معلومة عن شقيقها الذي اغتالته قوات الاحتلال في الرابع من تشرين ثاني 2020، أثناء مروره عبر حاجز حوارة العسكري جنوب مدينة نابلس، وما زال يحتجز جثمانه حتى اللحظة.
بصوت يملؤه الشجن، تروي مها رواجبة لـ”المحرر”، تفاصيل اغتيال شقيقها وصبيحة اليوم الذي استشهد فيه، فتقول: “تلقى والدي اتصالاً من أحد ضباط الاحتلال يفيد بإصابة نجله بلال، وأن عليه الحضور لمعسكر حوارة لمعرفة بعض المعلومات، وبعد مشادة كلامية مع الضابط أبلغوه باستشهاده، كان ذلك في الساعة العاشرة صباحا”.
وتابعت رواجبة “قرابة الساعة 12 ظهرا تلقيت اتصالا من ضابط الاحتلال يفيد بإصابة بلال، أي أنهم عادوا وأنكروا نبأ استشهاده، وحتى اللحظة لم تبلغ أية جهة رسمية باستشهاده أو أية معلومة عنه، فأصبح بلال شهيدا بلا دليل أو حتى قبر”.
لم تتمالك مها نفسها من الحزن حتى كادت دمعتها تنزل من عينها وهي تقول: “في يوم استشهاد بلال كان أحضر الزينة والحلوى للمهنئين في مولودته الجديدة (جوان) فهو أب لطفلة رزق بها، لكن رصاصة الاحتلال لم تمهله طويلا ليفرح بابنته، أو لتوزيع الحلوى، فعند استشهاد بلال كان عمر (جوان) شهرين ونصف الشهر، أما بلال فكان يبلغ 29 ربيعا”. وأضافت ” بيته الصغير الدافئ بقي كما هو، والزينة التي جلبها لم تتغير، لعل يأتي اليوم الذي نكمل فرحتنا التي نغصها علينا الاحتلال”.
تجلس جوان وتقبل صورة والدها الذي حرمت منه، وتردد مها كلمات هذه الطفلة، وين بابا، بدي بابا، هو مسافر ورح يرجع، “لقد باتت جوان الآن بعمر العامين والنصف العام، في كل مرة تشاهد أحدا من العائلة تنادي عليه (بلال.. بلال)”، تكمل مها حديثها.
تصف رواجبة حيرة العائلة عند الحديث عن بلال قائلة: نحن حتى اللحظة حين نسأل عن بلال نقع في حيرة من أمرنا فلم يصلنا بلاغ رسمي باستشهاده كبقية عائلات الشهداء ولم نجد جوابا يطمئن قلوبنا، ونحن غير واثقين برواية الاحتلال بأن شقيقي استشهد”. وتابعت “إن كان بلال شهيدا فأين جثمانه؟ هل دفن في” مقابر الأرقام”؟ أم وضع داخل الثلاجات؟”
تقول شقيقته: “بلال شاب طموح ويحب الحياة، وكان يريد استكمال دراسة الماجستير، ويقيم مشروعه الخاص إلى جانب عمله كمستشار قانوني في جهاز الأمن الوقائي”.
عندما بدأ تداول أنباء ارتقاء رواجبة، حفرت عائلته قبرا له، لكن هذا القبر ما زال فارغا حتى اللحظة منتظرا صاحبه، حيث تقول رواجبة: “كلما نظرنا إلى قبره المفتوح، يفتح جرحنا من جديد، نأمل أن ندفنه فيه، إن كان فعلا قد استشهد، وأن نحضنه للمرة الأخيرة”.
وطالبت رواجبة كل ضمير حي، والمؤسسات الحقوقية، أن تضع ملف الجثامين المحتجزة على رأس أولوياتها، لأن أهالي الشهداء محرومون من أبسط حقوقنا، ومن حقهم زيارة قبور أبنائهم ووداعهم الأخير.
والشهيد بلال رواجبة هو قمرٌ من بين 127 شهيدا يحتجز الاحتلال جثامينهم منذ عام 2015، كما يحتجز الاحتلال جثامين 256 شهيدا في مقابر الارقام حسب توثيقات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء.
وتحلم عائلة رواجبة كسائر عوائل الشهداء المحتجزة جثامينهم، أن تلقي نظرة الوداع على ابنها، وأن تعلم مصيره المجهول.