القدس المحتلة-المحرر-رامي الخطيب- تعمد إسرائيل بشكل ممنهج إلى تزوير التاريخ لتثبيت روايتها وهويتها في مدينة يبلغ عمرها 5000 عام, ففي حارة الشرف المعروفة حاليا بحارة اليهود القريبة من حي المغاربة الذي تم تدميره في عام 1967م، تدعي ما يمسى بـ”سلطة الآثار الإسرائيلية” العثور على(ميكفا) وهي برك مليئة بالماء تستعمل من اجل الاستحمام التعبدي عند اليهود وهي طقوس الطهارة لديهم، في محاولة لتأكيد تواجدهم الديني والتاريخي في المدينة المقدسة وربطها بوجود الهيكل الثاني.
يقول الباحث في آثار القدس د. عرفات عمر إن ما تقوم به اسرائيل من اختطاف للرواية الإسلامية والعبث بالآثار هو من ضمن أجندة مؤسسات إسرائيلية دينية وسياسية بامتياز، وهناك جمعيات استيطانية تعمل على سرقة وتزوير آثار القدس بشكل عام و في محيط المسجد الأقصى بشكل خاص.
ويشير إلى شركة العاد الاستيطانية تقف خلف هذه الحفريات، فيما تقف سلطة الاثار الإسرائيلية متفرجة امام هذه الجمعيات وهي تختطف التاريخ والأرض حتى البيوت في سلوان لم تسلم منها ويقف على رأسها جمعية “العاد ” ومؤسسة “تراث الهيكل” و”الحفاظ على تراث الهيكل”، وهي جميعها تعمل على مدار الساعة بدعم حكومي وسياسي ومادي أيضا .
ويضيف” “يعملون كل يوم للاستيلاء على الأراضي الوقفية والأراضي المحيطة بمنطقة سلوان ومنطقة القصور الأموية وهي وقف إسلامي، حيث تم تسجيلها في هذا الوقت تحت اسم حدائق او تحت مسمى حماية الحدائق اليهودية وجمعية الطبيعة الإسرائيلية وهذا نوع من أنواع المصادرة للمقدسات والأملاك والبيوت الإسلامية في سلوان”، منوهاً إلى أن إسرائيل لديها سياسة التزوير وسياسة التهويد واختطاف المباني وهدم بيوت الفلسطينيين وكل هذا يعكس استراتيجيات الحكومات الإسرائيلية الاستيطانية.
ويبين أنه من الذين برعوا في شق هذه القنوات والنظام المائي في مدينة القدس كانو من اليبوسيون والكنعانيون، فقد كانوا السباقين في صناعة الحضارة في مدينة القدس 3000 عام قبل الميلاد، حيث شقوا الصخور وحفروا هذه القنوات، كما أن الرومان برعوا في شق القنوات من برك سليمان في بيت لحم باتجاه مدينة القدس، وبقيت آثار هذه القنوات موجودة حتى يومنا هذا، موضحاً أنه بعض المخططات التي تعطي صورة وتخيل عن الأماكن التي سلكتها هذه القنوات من تلك النقطة وصولا الى كنيسة القيامة وهناك كانت تجمع المياه في بركة وبعد ذلك تزود المدينة في المياه .
ويضيف أن معظم قنوات المياه شقت تحت الأرض وبقيت حتى الفترة العثمانية حيث قامت الدولة العثمانية بترميم هذه القنوات وتجديدها، وكذلك بنوا الاسبلة في المدينة المقدسة التي نراها اليوم وكانت تعمل إلى فترة قريبة جدا في تزويد اهل المدينة في المياه وكانت تصل الى اسبلة و نافورة الكاس في المسجد الأقصى.
ويتابع”هناك اكثر من 42 سبيلاً في ساحات المسجد الأقصى، وكانت المياه الموجودة في ساحات المسجد تتجمع في الآبار التي تعمل حتى يومنا هذا ويتم استخدامها في مجالات مختلفة”.
ويوضح مدير مركز دراسات القدس في جامعة القدس د. يوسف النتشة أن إسرائيل وظفت طريقة عرض هذه الحفريات لتسويق روايتها المزعومة، الأمر الذي لا نقبله ونعترض عليه كأكاديميين وباحثي آثار، فاطلاق لفظ فترة المعبد الثاني على الفترة الرومانية غير مقبول لا اكاديميا ولا منطقيا ولا تاريخيا، مشيراً إلى أن إسرائيل تقوم “بالانتقائية” بتلبيس الآثار المفاهيم التوراتية في سبيل تجييرها لرواية او لنسيج حضاري، كما أن الحفريات تصاغ بخلفية ومعرفة ثقافية لمن يقوم بهذا الحفر وهو الجانب الإسرائيلي، وواضح جدا التركيز والبعد السياسي على هذه الحفريات من قبل الجانب الاسرائيلي.
ويؤكد أن وجود البرك او تزويد القدس بالمياه كان مشروع لمعظم الدول والحضارات التي حكمت مدينة القدس، وقد بدأت في الفترة الرومانية، وبرك سليمان والمقصود هو سليمان القانوني وليس النبي سليمان، والمشاريع التي تمت هي مشاريع صاحبت المدينة خاصة في الفترة الأموية، وتركزت في الفترة المملوكية وهناك ترميمات واصلاحات لهذه القناة مشهورة وموثقة عبر مجموعة من الوقفيات، كوقفية تنكز التي ذكر فيها اصلاح قناة سبيل قايتباي.
وقال: “نحن المسلمين، العرب، والفلسطينيين لا ننكر الوجود اليهودي في المنطقة، لكن هذا الوجود هو جزء من نسيج حضاري طويل سبق وجودهم وتطور بعده، ونتحفظ على طريقة المعالجة وطريقة التسويق لمثل هذه الأمور وكأن القدس فقط مدينة إسرائيلية او يهودية” .
ويضيف:” المحتوى في كتاب القدس العثمانية (المدينة العامرة)، وكما في كتاب (القدس المملوكية) كلها تتحدث ان هذه القناة كانت الشريان الأساسي لتزويد مدينة القدس بالمياه وانها ليست مقصورة على فترة زمنية محددة ولا على مكان معين، متهماً سلطات الاحتلال مرة أخرى بالانتقائية وبتحييد التراث العربي الإسلامي، والتركيز على التراث الإسرائيلي اليهودي.