*منجرة خضير تثبت في وجه التغيير لتحافظ على مهنة الأجداد
نابلس-المحرر-قمر زيادة- في أحد شوارع مدينة نابلس القديمة، يجلس الستيني وليد خضير وبيده قطعة خشبية هيكلاً لحذاء تحولت لقبقاب وكأنه جاء من الماضي ليذكرنا بأنه مازال بإمكاننا الحفاظ على التوراث الشعبي، عندما تراه يعود بك الزمن إلى حياة الأجداد تشعر بأنك تشاهد مسلسلاً سورياً من الزمن الجميل وأصوات القباقيب تعلو المكان.
ويقول وليد خضير منذ عام 1948″عندما هُجرنا من مدينة اللد حاملين ذكرياتنا ومهنتنا إلى هنا، ورثت هذه المهنة عن والدي، ففي عمر العشر سنوات كنت أعود من المدرسة لأساعد أبي في تجميع الأخشاب وتصنيعها، وعمليا بدأت العمل وعمري (15) عاماً، وحتى يومي هذا أعتبر هذه المهنة هي أجمل ما يمكنني العمل به”.
ويوضح خضير بأن صناعة القباقيب مهنة قيد الإنقراض وهو حالياً القبقبجي الأخير في مدينة نابلس وما يجاورها من المدن، للقباقيب صوتها الخاص الذي يرن بالآذان عند المشي بها.
وذكرد خضير أن أصحاب الحمامات التركية والشامية مازالوا يفضلون استخدام القباقيب المصنوعة من الخشب، مشيراً إلى أن هناك فتاتين من هضبة الجولان طلبتا منه تصنيع عشرين زوجاً من القباقيب، وغيرهم الكثير يطلبون منه تصنيعها لتشارك في المعارض التوراثية القديمة.
أحمر وأسود
تُصنع القباقيب من خشب الصنوبر الذي يتحمل عوامل الرطوبة، والجزء العلوي يصنع من “الكاوتشتوك” ما يجعل عمر القباقيب طويلاً، وتخصص القباقيب باللون الأحمر للنساء بينما تخصص القباقيب ذات اللون الأسود للرجال.
نغمة موسيقية
تقول المسؤولة في حمام الشفا في مدينة نابلس (أم رائد) بأنه لا يمكننا الاستغناء عن شراء القباقيب، لأنها جزء لايتجزأ من المكان، فهذه القباقيب تمثل جمالية جميع الحمامات التركية والشامية إلا أن افتقار البلد لهذه الصناعة جعلتنا نتخلى عنها إلا أنها تميز المكان بأصوله وعراقته.
كل من يأتي للحمامات يبتسم عند رؤية القباقيب لأنها من الأشياء القليلة النادرة، لايستخدمها أحد في حياته اليومية بل أصبحت منظراً نزين به المكان. وتضيف أم رائد” أصوات القباقيب وهي تلامس الأرض تجعل من المكان نغمة موسيقية ينفرد به وحده”.
نسيج من الماضي
لا يقتصر عمل خضير على صناعة القباقيب، بل إنه ينسج بيديه المتشققتين كراسي مصنوعة من القش قادرة على تحمل الأوزان. ويمر الكرسي بمراحل عديدة لتصل إلى شكلها النهائي.
وليس هذا فقط بل يقوم بتصنيع العديد من القطع التراثية التي قلّ الطلب عليها، إلا أن تمسكه بالماضي وحبه لهذه المهنة جعله يستمر في تصنيع كل ما هو قديم، قوالب المعمول لها شكلها الخاص لديه، ومدقات الثوم، ومغارف الطعام، وعصي تصنيع الحلوى التي تعرف “بالمكبس والنشابة”، و غيرها الكثير من الأدوات الخاصة بالزراعة.
وأجمل ما قام بصنعه سرير خشبي صغير يوحي لك بأن عمره مايقارب العشرين عاماً، يستخدم لتنويم الأطفال الرضع، ويختلف حجمه حسب طلب صاحبه.
كما يقوم خضير كل عام بتصنيع (40) خشبة خاصة بعيد السمرة، تستخدم بعد شق الخاروف ليعلق بها ويصبح جاهزاً لوضعه بالمزراب.
يؤكد خضير أن أكثر زبائنه من فلسطينيي الداخل، وهناك زبائن من خارج فلسطين أكثرهم من المغتربين الذين يطلبون أن يصنع لهم قطعاً خاصة لتبقى لديهم من رائحة بلادهم تذكرهم بأصولهم، فلقد طلب منه أحد المغتربين بالولايات المتحدة أن يصنع له “كنوة ” وهي عصا يستخدمونها قديماً لرعي الأغنام.
وعلى رغم ضعف الإقبال الذي تواجهه هذه المهنة إلا أن خضير مازال مستمراً في صناعة القطع الأثرية، ويأمل ألا تنطمس هذه المهنة وأن يكون عوناً للحفاظ على تخليدها للأجيال القادمة.