نابلس-المحرر- نجود صلاحات– شاخت وجوههم و تحطمت أمانيهم وأحلامهم بواقع مرير يعيشون حياة الفقر و المرض والحرمان، يدفعون صحتهم و أجسادهم ثمن إعالة أسرهم .
ظاهرة التسول و عمالة الأطفال من أخطر الظواهر الاجتماعية والإنسانية، ظاهرة أنجبتها الظروف الصعبة و حياة معيشية قاسية مما دفع بعض الأسر لتشغيل أطفالهم في سوق العمل أو في الشارع بأعمال جسدية متعبة أو بسيطة تؤثر سلباً على حياتهم اليومية و صحتهم النفسية و تحرمهم من التعليم و ممارسة كافة حقوقهم كأطفال مقابل العمل لساعات طويلة بأجر متدني.
وتشير الإحصائيات الصادرة عام 2019 عن مركز الإحصاء الفلسطيني، بأن نسبة 3% تقريباً من إجمالي الأطفال في فلسطين يعملون في سوق العمل، وتقدر الأعداد بحوالي (66782) ألف طفل بواقع (64609) ذكور و(2173) إناث. حيث بلغت النسبة في الضفة الفلسطينية 4% من إجمالي عدد الأطفال بالضفة، ويقدر العدد (51015) طفلاً عاملاً من 10-17سنة
ويقول التقرير إنه يوجد ثبات في نسب عمالة الأطفال مقارنة مع السنوات السابقة، وأشارت بيانات مسح القوى العاملة عام 2019 إلى أن نسبة الأطفال العاملين (سواء بأجر أو من دون أجر) في فلسطين قد بلغ نحو 3 في المائة من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية (10 – 17 سنة)، بواقع 4 في المائة في الضفة الغربية و1 في المائة في قطاع غزة.
يقول الطفل أحمد حجاج البالغ من العمر (15) عاماً إن ظروف المعيشة القاسية أجبرته على مغادرة مقاعد الدراسة للعمل في ورشة لصناعة الخشب ليساعد أسرته في توفير احتياجاتهم، قائلاً : “لم أستطع تحمل ظروف الحياة الصعبة التي تمر بها أسرتي و تراكم الديون على والدي فإنني أصبحت أعمل من الصباح حتى المغيب أساعد العمال في ورشة الخشب و أن ما أحصل عليه من أجر متدني لا يعتدي (20) شيقل يومياً ولكن ليس بوسعي أكثر من ذلك”.
و تمالك أحمد دموعه و ضاق صدره مع تنهيدة أخرجها و أكمل :” أصعب لحظات حياتي حين رأيت أصدقائي يذهبون للمدرسة يحملون حقائبهم وأنا احمل مفتاح لكي أفتح الورشة”.
و الطفل باسم المغربي (14) عاماً الذي قابلناه أثناء عمله الذي يمارسه و هو التسول، ترتسم على ملامحه الحزن و التعب فهو يجلس أمام باب المجمع التجاري في نابلس و ينتظر من المارين إعطاءه بعض الشواقل ليجمع (10_20) شيقلا يومياً .
و قال باسم :” أنا أخرج من الصباح لأجلس و أجمع بعض الشواقل فوالدي رجل مريض في الفراش لا يقوى على العمل”. علما أن باسم المعيل الوحيد لوالدته و شقيقاته الأربع.
و المرأة التي تبلغ من العمر أكثر من أربعين عاماً و تظهر عليها علامات التعب و الإرهاق والتقدم في السن ترتدي ملابس غير مرتبة و متسخة و تجلس في حضنها طفلها المريض بحالة ذي احتياجات خاصة يعاني من شلل حين حاولت أن اسألها عن اسمها و حالة طفلها ردت:” أنا أجلس هنا لأحصل على المال و أنا من غزة جئت بابني المريض لأعالجه”. و بعدها امتنعت عن الكلام و رفضت الإجابة عن اي أسئلة .
أطفال رميت إلى أبواب الفقر والحرمان لا يختلفون عن الذين يستعطفون السائقين والمارة لتوفير جزء يسير من قوت يومهم ليعينهم على سد رمقهم للبقاء على قيد الحياة.
وفي هذا السياق، أوضحت الأخصائية الاجتماعية نسرين بشارات أن ظاهرة عمالة الأطفال ليست بجديدة مع أنه يوجد العديد من التشريعات والقوانين إلا أنه كل هذا لا يحول دون عمالة الأطفال حيث أنها زادت مع ظهور جائحة كرونا بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية وأن المجتمع الفلسطيني أصبح أمام مشكلة حقيقية، وهي حماية هؤلاء الأطفال العاملين وصون حقوقهم، ومن جانب آخر نجد تقاعسا في الجهود المبذولة وتجاهل الأطراف المختصة وغياب آليات تترجم على أرض الواقع.
وأكدت على أن دفع بعض العائلات بأطفالها للعمل جريمة لا تغتفر، ويجب الحد منها، لما لذلك من أبعاد نفسية واجتماعية تؤثر على نفسية الطفل حيث تنعكس طفولته على شخصيته، ما يؤدي إلى تبلور شخصية غير سوية.
أوضحت الأخصائية الاجتماعية نسرين بشارات أنه “على الرغم من تجريم تشغيل الأطفال واستغلالهم اقتصادياً بحسب قوانين أقرتها اتفاقيات دولية مثل (حقوق الطفل) في المادتين (10-32) التي تعترف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضاراً بصحته أو بنموه البدني والعقلي والمعنوي والاجتماعي”، مبينة أنهم ما زالوا يمارسون الاتجار بالبشر مستغلين ضعف الطفل وعدم قدرته على الإدراك.
وأكدت على أن تشغيل الأطفال جريمة قانونية مجتمعية تحت وطأة الحاجة الاقتصادية فيما تنص التشريعات والقوانين على منع تشغيلهم أكثر من ست ساعات متوالية تتلوها فترة راحة.
وطالبت بضرورة التركيز الإعلامي على خطورة انتشار هذه الظاهرة على مجتمعنا وضرورة تكاتف جهود كافة المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني للحد من اتساع فجواتها والضغط على وزارة الشؤون التنمية والشؤون الاجتماعية بوجود ضمان اجتماعي للأسر الفقيرة داخل المجتمع، واتخاذ إجراءات حازمة ضد من يشغلون الأطفال في منشآتهم ومحاربة التسرب من المدارس وتعزيز أهمية التعليم.
وأشارت إلى أن عمالة الأطفال أثرت بشكل كبير على شريحة وحرمتهم من الدراسة بالمراحل الأساسية وتسببت بالتسرب الدراسي .
الفكرة السائدة عند بعض الأطفال عند سؤالهم عن التعليم يؤكدون أنهم لايفعلون شيئا ولا يجنون المال مما يؤدي إلى ظهور فئة غير متعلمة وغير مثقفة وهذا يعني مستقبلاً ادخال مزيدمن الأسر غير المتعلمة إلى دائرة الفقر والفقر المدقع.
تعرض بعض الأطفال إلى أمراض مختلفة وفي جائحة كرونا هم أكثر عرضة للإصابة بسبب تواجدهم في الكثير من الأماكن غير صحية بالإضافة إلى عدم توفر غذاء صحي وبيئة أمنة للطفل ومنع الأطفال من العيش طفولتهم بالشكل الصحيح واكتساب العادات السيئة، مثل التدخين أو تعاطي المخدرات مما يؤثر على التطور العاطفي والمعرفي والسلوكي لديهم، حيث يصعب عليهم احترامهم لذاتهم والاختلاف عن الآخرين، ويصابون بالتوتر والقلق واضطراب السلوك والكثير من الأمراض النفسية.