بقلم: يقين حمودة
هل رأيتم أشلاء الأطفال والنساء وهي تتمزق في قطاع غزة؟! هل رأى العالم مشاهد الدمار والمجازر التي ترتب ليل نهار وتحت أعين الكاميرا؟!
ماذا بقي ولم يرتكبه الاحتلال الاسرائيلي تجاه البشر والشجر في حرب إبادة لم يسبق لها مثيل تجاه الآمنين، فلا صور الأطفال الممزقة، ولا مشاهد قصف المستشفيات والبيوت الآمنة، ولا تدمير بيوت العبادة ولا عمليات النهب والسلب، تثير حراك العالم ليوقف حرب إبادة راح ضحيتها أكثر من (17) ألف شهيد (و46) ألف مصاب، بينما لم تستطع فرق الإنقاذ حتى الآن استخراج مئات بل آلاف من بقوا تحت الردم، فأي عالم هذا الذي يدعي بأنه يوجد قانون دولي وقانون إنساني يحمي المدنيين؟!
إن المنظومة الغربية التي تتغنى على الدوام بأنها أقرت قوانين لحماية الإنسانية، وبخاصة الأطفال خلال الحروب تسقط بامتياز أمام مُثلها التي رفعتها، فالغرب نفسه الذي خرج من حرب عالمية ثانية أكلت الأخضر واليابس، وأودت بحياة نحو (60)مليون إنسان أكثرهم من المدنيين، تلمس فضيحة ما صنع، وخرج علينا بثوبه الإنساني بعد حرب مدمرة، ليقر مجموعة من القوانين. فبدءأ من اتفاقية جنين الرابعة التي أقرت في العام 1449 وتطرقت بشكل مسهب إلى حماية الأشخاص المدنيين وقت النزاعات المسلحة، ووصولاً إلى البروتوكول الثاني من العام 1977 والملحق باتفاقية جنين الرابعة، ظننا أن العالم قد غادر شريعة الغاب واحتكم إلى إنسانيته ليوفر الحماية للمدنيين، وبخاصة الأطفال والنساء، لكن الواقع على الأرض يظهر زيف ما أنتجته المنظومة الغربية نفسها، من خلال تكريس ازدواجية المعايير، وكأن القانون الإنساني هذا صمم لفئة بشرية دون غيرها، أو للون دون سواه.
إن الولايات المتحدة الامريكية ومعها كل دول العالم الغربي، هي من صرخت بأعلى صوتها تجاه قتل مدنيين في أوكرانيا خلال حربها مع روسيا، وبعد أشهر قليلة رأينا رجل “الكابوي” الأمريكي ومعه كل المنظومة الغربية تغير الموقف تجاه قتل المدنيين، فكأن قتل الأطفال وتجويع المدنيين وتعطيشهم وتجريدهم من ملابسهم وآدميتهم، وحتى تمزيقهم إلى أشلاء يكفل لدولة تعد بموجب القانون الدولي “آخر استعمار احلالي على وجه المعمورة “الحق في “الدفاع عن نفسها”، لتزيل هذه الأحداث القناع عن وجه الحضارة الغربية التي تسقط في رمال غزة كما سقطت من قبل في العراق وسوريا وأفغانسان.
إن القانون الدولي الإنساني يعتبر كل شخص لا يشترك في القتال خلال النزاعات الحربية “مدنياً”، غير أن دولة الاحتلال تعمدت قصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ورغم كل الدعاية السوداء التي بثتها المنظومة الإعلامية الغربية بأن ما يجري كان “رداً” على ما نفذته المقاومة من عملية طوفان الأقصى ضد مراكز وثكنات عسكرية حربية كانت مسؤولة عن حصارقطاع غزة لأكثر من (17) عاماً، لكن لا يمكن المقارنة بين هذا وذلك، فكيف تقارن مجموعات مسلحة تدافع عن وطن محاصر ومحتل مع دولة مدانة كون الاحتلال مناف للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني؟.
ومن ناحية ثانية، كيف لعالم يتشدق بحقوق الإنسان أن يحكم بين دعاية صهيونية ثبت زيفها وكذبها بإدعاء حصول عمليات قتل الأطفال والنساء خلال أحداث 7 اكتوبر؟ وبين حقائق ماثلة أمام عيون الكاميرا على مدار نحو (65) يوماً من التقتيل المباشر لطائرات ومدافع ودبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يفرق بين امرأة ورجل ولا بين مسلح ومدني، ولا بين طفل وجنين في رحم أمه؟!
أيها العالم المتحضر، يا من تدعون بأنكم ترفعون لواء القانون الإنساني لحماية المدنيين وتشهرون قيم الإنسانية في كل مناسبة، أما آن الأوان لوقف آلة الدمار في غزة؟ أما جاءت لحظة تقفون بها أمام المرآة وتنظرون إلى ما أبتدعتموه من قوانين؟! أم أن “الفيتو” الأمريكي هو ضوء أخضر جديد لمسح كل ما جئتم به من قوانين إنسانية؟
“دول العالم الحر” أنتم أمام اختبار الحقيقة، أكثر من (7) آلاف طفل قتلوا في غزة خلال أيام معدودة وأنتم تصفقون للجاني، فإما أن توقفوا فوراً حرب الإبادة في غزة، وتحيلوا مرتكبي الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، أو فلتخرس كل الألسن التي تدعي أن هناك قوانين دولية إنسانية، فهي عوراء بالضرورة حين تفرق بين قتل طفل وطفل، وتعطي الحق للجلاد في “الدفاع عن نفسه”، وتضع الضحية وأطفاله أمام هول “مفرمة اللحم البشري” التي لن ينساها التاريخ.