بقلم: فارس بدر
المخيم هو الصورة المادية الوحيدة الملموسة القادرة على التعبير عن المدى المأساوي للنزوح، والتجسد الاجتماعي الوحيد الذي توجد به صورة منزل نازح مؤقتًا عن القدس.
فلم يعد وجود “خيمة” (بالمعنى المادي) من شروط المخيم فبعد قرابة الخمسة وسبعين عامًا، تجري عملية تهجير الفلسطيني بطرق أكثر ذكاءً وحقدًا. من ناحية أخرى، أصبحت وفرة وكثافة المباني متعددة الطوابق والمجاورة شكلاً آخر من أشكال المخيمات الحديثة في فلسطين. المخيمات هي نتيجة الظروف السياسية والممارسات الاستعمارية، بغض النظر عن أشكال التحضر المتغيرة، ويبقى السبب والنتيجة واضحين وكامنين في جوهر الممارسات الاحتلالية.
قبل عام 1967، كانت كفر عقب قرية مزدهرة شمال القدس. مع احتلال الضفة الغربية أقامت سلطات الاحتلال قاعدة عسكرية شمال القرية وألحقتها بتطوير المطار الذي كان قائماً قبل النكسة، وبعد مصادرة الأرض حولتها إلى مطار عسكري. في عام 1982 أقامت قوات الاستعمار قاعدة عسكرية أخرى في جنوب القرية، وبعد ثلاث سنوات أقامت مستوطنة “كوخاف يعقوب” في نفس المنطقة.
في عام 2000، قامت الآلة الاستعمارية ببناء جدار الفصل العنصري، الذي فصل القدس عن الضفة الغربية وعزلها عن العالم. بقيت كفر عقب خارج الجدار، أي معزولة عن القدس، لكنها بقيت رسمياً وقانونياً ضمن دائرة نفوذ بلدية القدس المحتلة ، بغض النظر عن المناطق (أ ، ب، ج) في اتفاقية “أوسلو”، تم تقسيم. القرية في التصنيف قبل الاتفاق. على هذا النحو، تظل السلطة الرسمية والقانونية تحت سلطة الاحتلال، لكن ليس لها سلطة على الأرض. ويعود ذلك إلى عدم قدرة الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية على تطبيق القوانين الواردة فيها بموجب اتفاقيات “أوسلو”، ما يمنعها من ممارسة أي سلطة على منطقة القدس والمنطقة ج (63٪ الضفة الغربية).
واقع جديد فرضته التقسيمات الاستعمارية بشقّيها، المادّي المتمثل بجدار الفصل العنصريّ والحواجز العسكرية، والقانوني المتمثل ببطاقة الهوية والمكانة القانونية للبلدة والسكان داخل المنظومة الاستعمارية. فالقرية التي حوصرت مادياً أصبحت في الوقت ذاته ملجأً للهروب من الواقع المعيشي الذي يفرضه الاستيطان على الفلسطينيين، أي إننا أمام حيّز ضيّق غير قابل للتوسّع بفعل الاستيطان والجدار، مقابل ارتفاع الطلب عليه. وهذا ما أنتج عملياً طفرة معمارية واجتماعية وتكوناً جديداً للحيّزين الاجتماعي والعمراني مـن دون أي رقابة. ومن المهم الإشارة إلى أن بلدية الاحتلال في القدس لا تقوم بإجراء أي رقابة، ولا تقدّم أي خدمات للسكان، وذلك بذريعة أن موظفيها لا يستطيعون الدخول إلى كفر عقب بسبب الوضع الأمنيّ في المنطقة، وهي أصبحت فعلياً خارج المشهد الاجتماعي،و السياسي و الاقتصادي الفلسطيني.